تهديد المصالح التركية في لبنان

TT

التصعيد الذي يقوده البعض ضد المصالح التركية في لبنان تجاوز كثيرا مسألة أن يكون تحركا إنسانيا أسريا غايته إقناع حكومة «جمال باشا أردوغان» أن ترمي بثقلها من أجل الضغط على الثوار السوريين في اعزاز للإفراج عن 9 لبنانيين هم بين أيديهم منذ عام تقريبا.

من الذي سيسمح لنفسه بأن يقف إلى جانب اختطاف مدنيين أبرياء واحتجازهم لأشهر طويلة في محاولة للمساومة على أرواحهم وحريتهم؟ ومن الذي سيعترض على تحرك سلمي لذويهم ومطالبة جميع القادرين على التأثير داخل لبنان وخارجه بدعم مطلب الإفراج عنهم؟

الرئيس اللبناني يطالب تركيا بممارسة المزيد من الضغوط من أجل إطلاق سراحهم، ووزير خارجيته يرفض تحميلها أية مسؤولية، بل يشيد بدورها وجهودها من أجل حل هذه القضية، لكن البعض يصر على قول العكس واضعا أردوغان وحكومته في قفص الاتهام ومضرما النار في مسار العلاقات التركية اللبنانية. لا، بل إن قيادات في التحرك ومواقف لشخصيات سياسية ودينية لبنانية لا تكتفي بتحميل تركيا المسؤولية المباشرة عن الاختطاف، بل هي تحذرها من عمليات انتقامية ضد وجودها المتعدد الجوانب في لبنان.

تهديدات علنية ومبطنة باستهداف ما بنته تركيا في السنوات الأخيرة من علاقات سياسية وتجارية واجتماعية مع اللبنانيين وما قدمته وتقدمه من خدمات، لكن المؤسف هو أن البعض يحاول فعل ذلك باسم كل اللبنانيين ويعطي لنفسه حق تهديد السفير والسفارة وأفراد الجالية اللبنانية والمؤسسات التركية. هو لم يعد يلوح بما يصفه بأوراق ضغط على حكومة أردوغان لتستخدم نفوذها لدى الخاطفين للإفراج عن المخطوفين، بل يهدد أنقرة بأنها إذا لم تتحرك فإنه سيحاصرها «ميدانيا» في لبنان ويعتبرها الشريك والمحرض في عملية الاختطاف تحت شعار «اللجوء إلى القوة هو بين الخيارات ولا شيء نخسره بعد الآن».

الدعوة إلى مقاطعة البضائع والتجمهر أمام السفارة والمؤسسات التركية التجارية والثقافية الناشطة في بيروت، والتلويح بلافتات الاعتراض، حتى التنسيق والتضامن مع أرمن لبنان من قبل اللجان التي تتابع قضيتهم لتذكير تركيا بأحداث عام 1915، واللجوء إلى القضاء الدولي للكشف عن أي دور تركي في المسألة، والاستعانة بمحامين أتراك لمقاضاة من يثبت تورطه في عملية الاختطاف، حق اجتماعي وأخلاقي وقانوني عادل، لكن احتجاز الشاحنات التركية المحملة بالبضائع وتهديد سائقيها بعدم المحاولة ثانية، واقتحام أو إغلاق مكاتب شركات الطيران والملحقية التجارية والثقافية، ومنع العاملين هناك من الحضور إلى أعمالهم، وتهديد جنود الكتيبة التركية في الشعيتية بعدم مغادرة مواقعهم بعد أسبوعين إذا لم يتم الإفراج عن ذويهم والدعوة لترحيل السفير التركي وإغلاق السفارة، شيء آخر.

رسائل أهل المخطوفين وتحركاتهم تحولت من مطالبة الرأي العام التركي بالوقوف إلى جانبهم للضغط على حكومة أردوغان، ليس من أجل دعم إطلاق سراح أقاربهم، بل من أجل التأثير على أنقرة لتتراجع عن سياساتها السورية.

السفير التركي لدى لبنان الذي أقنع الحكومة التركية في السر والعلن أن تتبنى أكثر من موقف وتحرك، ليس فقط من أجل العمل على المساهمة في حل أكثر من خلاف لبناني لبناني، بل في دعم لبنان وجنوبه في وجه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وساهم في توسيع رقعة التعاون السياسي والتجاري، وكان السباق في تبني مشروع إلغاء التأشيرات وتشجيع الجالية التركية على أن تكون جسر تقارب بين البلدين، مطالب اليوم بإغلاق أبواب السفارة والرحيل، بينما يتفرج البعض بصمت أو تشكيك في دور تركي يريده أن يفشل خدمة لمشروع إبعاد أو قطع الطريق على السياسة التركية في لبنان.

لا نريد أن نعرف فقط الأسباب والدوافع التي تقود تركيا للتشجيع على عملية الاختطاف والتحريض عليها، لكننا نريد أن نعرف أيضا ما الذي يعنيه تحرك البعض من داخل لبنان وخارجه لتعطيل محاولات الإفراج عنهم أو تطويل عمر أزمتهم أو تجاهل الذين يقودون هذا التحرك في تذكير النظام السوري ولو مرة واحدة بأن للاختطاف علاقة بسياسة ومواقف النظام في سوريا.

المؤسف هو أن البعض من المحسوبين على ذوي المخطوفين يدعو لعدم التطرق إلى التفاصيل حتى لا يقطع الطريق على الجهود المبذولة، لكنه يقود عملية التحرك ضد الكتيبة التركية العاملة في صور. بينما كان الإعلام التركي ينقل النتائج الجديدة للجهود التركية في التفاوض مع الخاطفين ويقدم تقارير وصورا وتصاريح للمخطوفين، حيث كان يطالب أحدهم بالاستجابة لمطالب الثوار وإطلاق سراح النساء السوريات الموجودات في معتقلات النظام السوري، كان آخرون يتحدثون عن «اكتشاف» أن الجهة الخاطفة مرتبطة سياسيا بالمخابرات التركية وأن تركيا لا تريد بذل الجهود التي تقود إلى الإفراج عن المخطوفين لأنها تريد أن تمسك بهذه الورقة السياسية والتلاعب بها عند الضرورة.

البعض يريد أن تنسحب تركيا من لبنان اقتصاديا وتجاريا وإنسانيا انتقاما من سياستها السورية، مع أن المسألة سورية تركية قبل أن تكون تركية لبنانية. يطالبون تركيا بالتحرك لكنهم يتحركون قبلها لقطع الطريق على جهودها بتوجيه الاتهامات والتحريض ضدها واستهداف مصالحها في لبنان، لا، بل إن الأصعب هو تحميلها مسؤولية الحفاظ على سلامة المخطوفين.

الرؤية التركية لن تتغير هذه المرة أيضا وبعد إنجاز المهمة بسلام رغم أن البعض يتحرك من منطق تحويل أماكن وجود الكتيبة التركية إلى معتقلات في الهواء الطلق. قيادات سياسية لبنانية تريد من أنقرة مضاعفة جهودها، وهي ستفعل ذلك حتما لكن المؤسف أن لا تتحرك هذه القيادات نفسها للضغط على حزب الله أو النظام السوري لتغيير سياساته ومواقفه.

لن نستغرب بعد هذه الساعة إذا ما حمل أحدهم تركيا أيضا مسؤولية توقف باخرة توليد الكهرباء التركية «فاطمة غول» عن العمل والقول إن الأتراك هم الذين دبروا مؤامرة استخدام الفيول بالنوعية المتدنية التي تسببت في تعطيل المحركات وترك اللبنانيين في العتمة.