استفزاز إيراني في جزيرة أبو موسى

TT

دأبت السياسة الإيرانية في الخليج على خلق الأزمات والتوترات في الخليج، فإيران في ضوء تصورها لمفهوم أمن الخليج تسعى لأن تلعب دور القوة الإقليمية المهيمنة، فجاءت زيارة وفد من مجلس الشورى الإيراني جزر الإمارات العربية المتحدة المحتلة الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، الاثنين الماضي كخطوة من خطوات الشد والجذب الذي تمارسه السياسة الإيرانية في الخليج لمحاولة الالتفاف على مشاكلها الداخلية والخارجية، ومحاولة للحصول على مكاسب في مقابل الملفات السياسية الإقليمية المشتعلة في سوريا والعراق، حيث تشهد المنطقة مزيجا من التوتر الساخن والتوتر المنضبط، فسارعت دولة الإمارات للتعبير عن استنكارها الشديد، داعية طهران إلى الكف عن الاستفزازات في منطقة «أحوج ما تكون إلى الاستقرار»، في ظل ظروف إقليمية «استثنائية»، مؤكدة من جديد أن «الزيارة انتهاك لسيادة الإمارات وتقويض للجهود المبذولة لإيجاد حل سلمي لهذه القضية من خلال المفاوضات الثنائية أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية».

وكان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد زار جزيرة أبو موسى يوم 11 أبريل (نيسان) العام الماضي في أول زيارة لرئيس إيراني منذ احتلال إيران للجزر الثلاث عام 1971. وعكس خطاب الرئيس الإيراني الذي ألقاه بجزيرة أبو موسى الاعتقاد التاريخي السائد لدى الإيرانيين بأن الخليج «بحيرة فارسية»، وأن دورهم الحالي ما هو إلا امتداد لدورهم التاريخي السابق، كما أنكر وجود حضارة عربية قائلا: «إن الدول التي تحاول حاليا مصادرة اسم (الخليج الفارسي) لا تمتلك مطلقا ثقافة وحضارة كي تريد أن تقف في مواجهة إيران، وفي السابق لم يكن لديهم شيء، بحيث يزعمون مثل هذا الادعاء في الوقت الحاضر».

ولم يتوقف التصعيد الإيراني عند الزيارة أو التصريحات الساخنة والمستفزة التي أدلى بها أحمدي نجاد في جزيرة أبو موسى، فعملت طهران على تغيير الحقائق على الأرض وسعت لتعزيز نفوذها العسكري في جزيرة أبو موسى، كما أعلنت طهران عن تنظيم رحلات سياحية لجزيرة أبو موسى، مخالفة بنود وثيقة ترتيبات التفاهم الموقعة بين إمارة الشارقة والحكومة الإيرانية عام 1971.

لا شك أن موضوع جزيرة أبو موسى موضوع فريد من نوعه؛ فهي جزيرة ذات سيادة مشتركة بين إيران والشارقة، جرى الاتفاق على وضعها عند توقيع وثائق استقلال دولة الإمارات، يدخلها ويعمل فيها مواطنو البلدين، وقد نصت مقدمة وثيقة الترتيبات التي تم الاتفاق عليها بين الشارقة وإيران على ما يلي: «لا إيران، ولا الشارقة ستتخلى عن المطالبة بأبو موسى، ولن تعترف أي منهما بمطالب الأخرى»، وعلى هذا الأساس، ستجرى الترتيبات الآتية:

1- ستصل قوات إيرانية إلى «أبو موسى»، وتحتل مناطق ضمن الحدود المتفق عليها في الخريطة المرفقة بهذه المذكرة.

2-أ- تكون لإيران ضمن المناطق المتفق عليها والمحتلة من القوات الإيرانية صلاحيات كاملة، ويرفرف عليها العلم الإيراني.

2-ب- تمارس الشارقة صلاحيات كاملة على بقية أنحاء الجزيرة، ويظل علم الشارقة مرفوعا باستمرار فوق مخفر شرطة الشارقة، على الأسس نفسها التي يرفع بموجبها العلم الإيراني على الثكنة العسكرية الإيرانية. إضافة إلى 4 بنود إضافية تحدد امتداد المياه الإقليمية بالجزيرة، وشروط تقاسم البلدين عائدات النفط.

وفي الساعات التي سبقت إعلان إتمام انسحاب البريطانيين، وتحديدا في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 1971 دخلت القوات الإيرانية جزيرة أبو موسى واحتلت نصفها، وهاجمت جزيرتي طنب الكبرى والصغرى واستولت عليهما بالقوة.

استمر هذا الوضع لعقدين من دون شكاوى علنية معروفة حتى بدأت إيران بخطوات تصعيدية بداية التسعينات، ثم قامت في 24 أغسطس (آب) 1992 بالاستيلاء الكامل على الجزيرة، ورفضت السماح بدخول مائة مواطن من الإمارات بعد أن احتجزتهم في عرض البحر لمدة ثلاثة أيام، وكان هؤلاء يعملون في الجزيرة ويقيمون بها. ومن هنا بادرت دولة الإمارات إلى التصعيد الإعلامي والسياسي وسعت للحصول على أكبر قدر من الدعم السياسي الخليجي والعربي والدولي لقضية الجزر الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وقد نجحت الإمارات آنذاك في تطوير هجومها السياسي، وفتحت إلى جانب قضية أبو موسى التي أثارتها إيران، قضية جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وعملت على تكثيف تحركها السياسي والدبلوماسي على كل الأصعدة في محاولة للوصول إلى حل سلمي مع إيران. ومنذ ذلك الوقت ظلت هذه القضية من ثوابت قضايا مجلس التعاون الخليجي، ومن ثوابت قضايا القمم العربية على مدى السنوات الماضية.

إن مسلسل الأطماع الإيرانية الواسعة منذ عهد الشاه، ما زال مستمرا في ظل الجمهورية الإسلامية؛ فالنهج الإيراني رغم اختلاف الظروف السياسية والعسكرية والأمنية، وميزان القوى في المنطقة، واختلاف المناخ الدولي الذي كان سائدا عام 1971، ولا تختلف سياسة الجمهورية الإيرانية الراهنة تجاه الجزر عن سياسة الشاه، فكثيرا ما كرر المسؤولون الإيرانيون أنهم لن يتخلوا عن سيادة إيران على الجزر أو يقبلوا حلا وسطا بشأنها، والواقع أن معظم الإيرانيين يؤيدون الوضع الراهن في الجزر الثلاث بعد أن حولها السياسيون إلى قضية إيرانية وطنية.

لقد ظهر جليا أن الخطاب السياسي والإعلامي الإيراني الحالي تجاوز الخطاب الإيراني السابق الذي يعتبر المسألة مجرد «سوء تفاهم» و«مسائل عالقة» و«خلافا بسيطا حول إحدى الجزر»، للحديث عن ملكية إيرانية مطلقة للجزر الثلاث، فالواضح اليوم هو عدم رغبة إيران في التخلي عن هذه الجزر، وفي الوقت ذاته استمرت دولة الإمارات باعتباره خلافا جوهريا يتعلق بقضايا السيادة.

ما زالت دولة الإمارات تحاول محاصرة التصرفات والإجراءات الإيرانية الأخيرة في جزيرة أبو موسى بطرح طريق التفاوض الثنائي للتوصل إلى حل سلمي؛ على أمل أن تتراجع إيران عن موقفها من الإجراءات التي اتخذتها في أبو موسى، وتضع حد لاستمرارها في احتلال جزيرتي طنب الكبرى والصغرى، للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة. وظلت دولة الإمارات على الدوام تطرح الخيارات السلمية لحل الأزمة، سواء بالتفاوض المباشر أو عن طريق إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية، فيما ظلت إيران ترفض عرض المشكلة على محكمة العدل الدولية.

إن قضية الجزر بما تضمنته من أبعاد استراتيجية وأمنية، لا تزال تمثل بالنسبة للرؤية الإيرانية عامل جذب مستمر لخلق بؤر توتر سياسي، رغم ذلك سيبقى طريق التفاوض الثنائي من حيث المبدأ هو الطريق الأقصر والأسلم، شريطة أن يكون لدى السلطات الإيرانية نية فعلية وصادقة لإنهاء النزاع سلميا.