متحف العلوم والتقنية

TT

نعاني من مشكلة كبيرة في عالمنا الإسلامي، وهي أن الأجيال الجديدة لا تعرف الكثير عن تاريخ العصر الذهبي في الإسلام أو ما قدمه علماء المسلمين في كافة مجالات العلم إلى العالم كله. هذه الإسهامات أو إن شئنا قلنا الاختراعات والإنجازات هي النواة التي بنيت عليها أسباب النهضة في عالمنا الحديث.

ولقد شاهدت في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية متحفا صغيرا رائعا يطلق عليه متحف العلوم والتقنية وفيه استعراض رائع للعلوم المختلفة والتي برع فيها علماء المسلمين وأيضا اكتشافاتهم واختراعاتهم في كافة مناحي العلم، وذلك خلال العصر الذهبي للإسلام. وهذا المتحف من الأهمية بحيث يجب أن نسلط عليه الضوء لما يقدمه لنا من تسجيل رائع شيق لإسهامات علماء المسلمين في الفترة من القرن السابع وحتى القرن السابع عشر الميلاديين، أي أنه يؤرخ لفترة تمتد إلى الألف عام فيها اكتشف العلماء نظرية الإبصار، وأسسوا علم المثلثات، واكتشفوا مبادئ الطيران، وبدءوا في إماطة اللثام عن أسرار الكون، بل وكانوا على قمة العالم في علوم الكيمياء والأحياء والجبر والهندسة وغيرها من العلوم، ونجد توصيفا رائعا بالصورة والغرافيك في هذا المتحف، الذي يسرد أيضا السير الذاتية للعلماء الذين وضعوا أنفسهم بعلومهم ضمن سجل الخالدين، وأغلب الجامعات في العالم كلها موجود بها متاحف نوعية يطلق عليها اسم متحف الجامعة، والهدف من هذا المتاحف هو أن يقدم ويعكس اهتمامات الجامعة التي يقوم بها. كذلك يقوم بدور تعليمي وتثقيفي سواء لطلبة الجامعة أنفسهم أو المجتمع المحيط بالجامعة. وكنت سعيدا وأنا أرى المجهود الرائع الذي بذل في إنشاء وإدارة متحف العلوم بجامعة الملك عبد الله، ويجب أن نشيد بالسيدة ضحى الحسيني أمينة المتحف، التي تحمل درجة الماجستير في اللغات، وهي على درجه عالية من الثقافة وإدراك دور المتحف الذي يزوره طلبة المدارس المختلفة في المملكة حيث يحضرون خصيصا لزيارة المتحف.

ومن أهم ما يقوم به هذا المتحف هو التعريف بالمؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي والتي لم تكن قاصرة فقط على المدارس بل كان المسجد هو أهم منشأه تعليمية إلى جانب كونه منشأة دينية، ولم تقتصر العلوم التي يتلقاها طلبة العلم في المساجد على العلوم الدينية فقط بل تعداها إلى غيرها من العلوم الوضعية، ولم يكن في ذلك أي غرابة بل على العكس هو تأكيد لما أوصى به القرآن الكريم من الحث على التفكير والعلم وإعمال العقل إضافة إلى وجود منشآت أخرى مثل الجامعة والمستشفى التعليمي والمرصد الفلكي وبيوت الحكمة. وهناك تركيز على دور المرأة في الحياة العلمية في الإسلام وخصوصا دور السيدة فاطمة النهري والتي استطاعت أن تبني أول جامعة إسلامية، وهي جامعة القراويين. ويعكس المتحف دور علوم الرياضيات والهندسة في تقدم العمارة الإسلامية التي أبدعت أروع العمائر مثل المسجد الأموي في دمشق أو بلاط الأسود في قصر الحمراء بغرناطة. ومن خلال المعروضات يبرز دور علماء المسلمين في تقدم علوم الحساب والجبر والفلك وعلوم الطب والتي كان للمسلمين فيها الريادة. كما يعرض المتحف بعض من الآلات والأدوات التي استخدمها علماء المسلمين في القياس وعلوم الفلك والكيمياء وغيرها.

رسالة المتحف واضحة وهي أن العلماء المسلمين قدموا للعالم الطاقة التي تنير لهم المستقبل.. هو متحف رائع في جامعة فريدة من نوعها.