العنصرية مرض!

TT

رغم انغماس القارة الأوروبية العجوز في أعنف أزمة مالية لم تشهدها منذ عقود طويلة جدا، فإن القضية التي تلقى الاهتمام الإعلامي الشعبي الكبير هي قضية العنصرية عموما، وتحديدا في الرياضة وكرة القدم بالذات. والقضية تحولت من مجرد أهازيج وعبارات نابية وممارسات مشينة داخل الملاعب الرياضية بحق اللاعبين الأفارقة إلى مسألة «حقوقية» و«اجتماعية» تبنتها منظمات أهلية وجمعيات حقوق إنسان ونقلوها اليوم لاتحادات كرة القدم والبرلمانات المعنية لاستصدار سلسلة من القوانين والأنظمة الرادعة بحق المخالفين.

إنه مثال واضح وصريح وجميل عما تقوم به المجتمعات المتحضرة بحق من يحاول «خلخلة» السلم الاجتماعي وإحداث الشروخ والفتن فيه وبداخله. فلا يوجد في هذه المجتمعات شعارات ترفع جملة «نعم للوحدة الوطنية» أو «لا للعنصرية» لأن هذه الشعارات لا معنى لها ألبتة وتبقى فارغة وجوفاء طالما لم تحم بأسس وأنظمة وقوانين تزكي قوة العدالة الاجتماعية بتطبيق قوي ونزيه وسوي. وهو الذي يذكرنا بشعار رفع في الكثير من دول العالم ذات يوم من خلال حملة عالمية لمكافحة المخدرات وكان بمسمى «لا للمخدرات» وكان هذا الشعار يضحكني لأنه هل هناك عاقل ما يقول: «نعم للمخدرات» مثلا؟ إنها مسألة وفكرة بديهية للغاية ولكن التحدي دائما كان في إيجاد وسائل وقوانين وعقوبات تردع التعاطي والاتجار والتداول عبر حملات إعلامية وشعبية ورسمية متواصلة ومستمرة وقوية وجادة.. هذه هي السبل التي يكتب لها النجاح وتحقق النجاحات المطلوبة والمطالب المرجوة لا بعبارات وشعارات رنانة ومكررة. وفي الأيام القليلة الماضية تداول السعوديون والرياضيون منهم تحديدا السجال الدائر بين إدارتي ناديي الهلال والاتحاد بخصوص التجاوزات العنصرية من جماهيرهما وبعض الإداريين الرياضيين، وتداولت وسائل الإعلام التقليدية ومواقع التواصل الاجتماعي بالإعلام الجديد الآراء والأفكار المتعلقة بهذا الموضوع المعيب والحساس. وطبعا ليست هذه الواقعة الأولى، فمثلها وأسوأ منها تكرر كثيرا من قبل واستمر الصمت النظامي عن هذه المسألة ولم يتم اتخاذ خطوات «حاسمة» و«قوية» بالقدر الكافي.

اتحاد كرة القدم اليوم هو جزء من منظومة إدارية يتبع الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وهي قبل أن تكون منظمة رياضية معنية بتنظيم لعبة معينة هي منظمة أخلاقية حريصة بحسب شعارها الرسمي على تزكية اللعبة العادلة وطبعا تنمية الروح الرياضية والتواصل بسوية وعدالة بين الشعوب والأمم بغض النظر عن الأعراق والألوان والديانات والثقافات. والسعودية مهد الإسلام وبلد مهبط الوحي عليها «حمل» وثقل مسؤولية الريادة بحكم مكانتها وعلى اتحاد الكرة منها، والأجهزة الرياضية تحديدا مطالبة برفع سقف العقوبات والتعامل مع الجرم والمخالفة العنصرية بلا رحمة ولا هوادة. فالرياضة شئنا أو أبينا وتحديدا كرة القدم هي الواجهة الوحيدة والأكثر بروزا التي تضم كافة أبناء الوطن الواحد بغض النظر عن أي انتماء أو موقع أو منشأ أو مكان، بشكل جميل وفي انعكاس حي وحيوي لروح الوطنية والمواطنة لا بد من تزكيته والمحافظة عليه والعمل بكل قوة على محاربة الأطراف والطفيليات والعقد التي تسعى لتخريب وتهديد ذلك المشهد الجميل. الكل ينتظر خطوة مهمة وقوية وواضحة تعتمد على حزم قانوني وسوي لأي مخالف أو متعد عنصري. لم يعد هناك مجال للمجاملة.