لأجل منهج أصح وأنجع.. في مكافحة الإرهاب

TT

((أما إذا قام تضامن دولي ضد الإرهاب: على الغلط والعمى والهوس والجور والمعالجات النزقة، فإن رد الفعل الحتمي – المضاعف في القدر، المضاد في الاتجاه – هو: قيام تحالف إرهابي عالمي أشد توحشا وهمجية ودموية. وعندئذ تصبح الكرة الأرضية ساحة واسعة لتصارع الثيران البشرية، وبقرون ربما يكون بينها أسلحة دمار شامل)).

هذه كلمات ختمنا بها أول تعليق لنا – في 15/9/2001 - على (القارعة) الإرهابية التي ضربت في نيويورك يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

ولقد اقتضت العودة إلى طرق موضوع الإرهاب مقتضيات كثيرة منها:

1) العودة إلى اللعب الخطر مع الإرهاب من حيث استخدامه في تحقيق أهداف سياسية أخرى.

2) الإنذار الذي وجهه زعيم القاعدة في الشمال الأفريقي إلى فرنسا يهددها فيه بضرب مصالحها حول العالم، وهو إنذار أعلن مسؤولون فرنسيون أنهم سيأخذونه مأخذ الجد ولذلك استنفروا أجهزتهم المختصة في هذا المجال. وقد سببت (القاعدة) إنذارها هذا بالغزو الفرنسي لجمهورية مالي.

3) تحل في هذه الأيام الذكرى الأليمة للتفجيرات الإرهابية الآثمة في العاصمة السعودية (الرياض).

ونسارع إلى القول بأن الإجماع العالمي منعقد على مكافحة هذا الوباء، بيد أن (كيفية) المكافحة لم تظفر بما يتوجب أن تظفر به من دراسة وبحث ينتجان منهجا أعرق وأعمق وأسلم وأنجع في مكافحة هذا الوباء الكاسح بأقل الأضرار وأوفى المكاسب، وأفضل النتائج.

وبداية، أنه ليس من هذا المنهج: المسارعة إلى استدعاء أناس كثر – ظهروا فجأة - وصفوا بأنهم (خبراء) في الحركات الدينية، واتجاهات التشدد الديني. فرغم ظهورهم بالعشرات في وسائل الإعلام: لم يقدموا شيئا جديا: موضوعيا وعميقا وناجعا في هذه القضية.. نعم: إن بعضهم اقترب من وصف الحالة، لكن (استراتيجية المعالجة الجادة المأمونة) لم تتبدَ في خبراتهم المدعاة، بل إن بعضهم نزع إلى تغذية الإرهاب وإهاجته حين عمد إلى التلميح بأن الإسلام نفسه هو مصدر هذا البلاء أو الوباء!!

وإذ ندعو مجددا إلى أن ينعقد (عزم عالمي) على الانخراط في مواجهة الإرهاب والإرهابيين، فإننا نحذر – في الوقت نفسه - من تكرار (الخيبة الأولى) في الحرب على الإرهاب.

وها هنا سؤال طبيعي عقلاني مشروع وهو: وهل خابت الحملة الأولى على الإرهاب، أي الحملة التي أعقبت الأحداث النكدة التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر 2001؟

لن نجيب إجابة مختصرة – ومخلة - بـ(نعم) أو (لا). وإنما نبسط القول بسطا يتبين منه الجواب المقنع المشبع.

الحق: أن العالم كله قد وقف مع الأمة الأميركية وهي تواجه تلك القارعة في ذلك اليوم العصيب، 11 سبتمبر من عام 2001. ولكن هل كانت هناك (مهارة) في إدارة الصراع مع الإرهاب؟.. الواقع يقول: لم تكن هناك (عبقرية) تستثمر هذه الوقفة العالمية الكبرى المتعاطفة مع الأمة الأميركية، والمناهضة للإرهاب.. لم تكن هناك عبقرية سياسية وأمنية تستثمر تلك الوقفة الجماعية – تقريبا - وتوظفها في استراتيجية واضحة ونزيهة وجادة وراشدة: التخطيط والتنفيذ.

ومن الراجح – في غياب المفهوم الصحيح والتدابير النزيهة والمسؤولة - أن يتكرر الفشل على نحو يفوز فيه الإرهاب بالسباق من حيث كثرة التناسل، والانتشار الأفقي على الكوكب، وتطوير الوسائل والأساليب.

بسرعة فاجعة: أخذ التأييد العالمي للولايات المتحدة يتراجع وينحسر.

لماذا؟

لأن الرأي العام العالمي أدرك: أنه قد دُس في أجندة مكافحة الإرهاب ما ليس منها، وما لا يخدمها، أي دُس فيها أهداف سياسية لا تظفر – طبعا - بذات الإجماع العالمي المناهض للإرهاب.

ومن القرائن على (الانحراف) بالحرب على الإرهاب:

1) ما قاله – في وقت مبكر - مغناد ريساي عضو مجلس اللوردات البريطاني، إذ قال: ((لقد تبعثرت موجة التعاطف مع الولايات المتحدة، فهذا البلد قد قضى على الإرادة الحسنة بسبب غروره، وأصبح الكثير من الناس الذين لم يعتبروا أنفسهم – قط - معادين لأميركا يشعرون اليوم بتوتر شديد تجاهها، ويرجع ذلك إلى السياسات الأميركية الجديدة المشبعة بالأنانية والفردية)).

2) أجرت مؤسسات أميركية كثيرة استطلاعا مشتركا.. وهذه المؤسسات هي: يو إس تودي.. وسي إن إن.. وغالوب.. وقد أثبت هذا الاستطلاع أن معدل الثقة في كسب واشنطن الحرب على الإرهاب قد انخفض إلى 33% بينما كانت هذه النسبة بعد 11 سبتمبر بقليل تتراوح بين 72 - 79%.

3) وأجرى مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن استطلاعا للرأي حول ذات القضية.. وكانت نتائج الاستطلاع هي: أن الأوروبيين – بعد التأييد الكاسح لأميركا – قد اتخذوا موقفا نقديا تشكيكيا تجاه ما اعتبروه (نهجا أحاديا يمارسه طرف واحد) في مجال السياسة الخارجية.. فنسبة 85% من الألمان. و73% من البريطانيين. و68% من الإيطاليين يعتقدون أن الولايات المتحدة تنطلق من مصالحها الخاصة في حرب الإرهاب.

من هنا يمكن القول بأن إدارة الصراع الدولي ضد الإرهاب لم تتمتع بالمهارة والعبقرية، ولذا خابت الحملة الأولى على الإرهاب.

ومن الظلم: تحميل أميركا وحدها مسؤولية هذه الخيبة. فهناك مسؤولية يتحملها شركاء أميركا على هذا الكوكب وهم المجتمع الدولي كله. فمهمة مكافحة الإرهاب لا يصلح فيها تفويض أميركا بخوض هذه الحرب، بل لا بد من اجتهادات سياسية وفكرية وأمنية واستراتيجية متنوعة وسديدة يسهم بها العالم كله في اتخاذ التدابير الكفيلة بحماية أمم الأرض من وباء الإرهاب.

فلماذا لم يقم العالم بمسؤوليته العينية هذه؟

الأسباب كثيرة، من أهمها (الثقة الأسطورية) بقدرات أميركا، وهي أسطورة حملت الكثيرين ممن لا يكرهونها على الامتناع عن تقديم النصح الواجب لها في قضية تهم العالم كله، لا أميركا وحدها.

وهذا سلوك سياسي إذ يعبر عن الثقة الخرافية بقدرات أميركا، يترجم – من جهة أخرى - حالات الكسل والاتكالية والتثاؤب التي يعيشها ساسة العالم تقريبا ويلتذون بها!

وقد لحظ الرئيس الأميركي الأسبق جون كيندي (الكسل السياسي) لدى ساسة العالم عندما قال – في خطاب تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة: ((إن الولايات المتحدة مستعدة لمساعدة دول العالم، لكن أقول لكم بوضوح: إننا لا نستطيع أن نساعد من لا يساعدون أنفسهم))!!

ومهما يكن من شأن، فإننا ندعو إلى اكتشاف منهج أصح وأنجع لمكافحة الإرهاب.

ومن خطوط هذا المنهج الرئيسة:

أ) استقراء الأسباب الحقيقية كلها دون حجب لبعضها ولا انتقاء مزاجي.

ب) التعرف الموضوعي على مصادره: الذاتية والخارجية.

ج) التشاور العالمي حول أجدى سبل مكافحة الإرهاب.

د) التعاهد الملزم على عدم استخدام الإرهاب في تنفيذ استراتيجيات سرية يستفيد منها الإرهابيون في تطوير علاقاتهم وقدراتهم.