الانزعاج من إساءة استغلال السلطة

TT

كانت وزارة أمن الدولة في ألمانيا الشرقية، التي كانت تعرف باسم «ستاسي»، تمثل تهديدا كبيرا خلال مدة خدمتي التي تبلغ ثلاث سنوات كملحق بالسفارة الأميركية في بون خلال فترة الستينات. وكان متابعة ومنع عملاء «ستاسي» من اختراق أمن المنشآت الدبلوماسية الأميركية في ألمانيا الشرقية مهمة مستمرة على مدار اليوم طوال أيام الأسبوع. كانت الشرطة السرية لألمانيا الشرقية أكثر قسوة وإصرارا على تنفيذ العمليات ضد مواطنيها. وكان القمع السياسي هو المهيمن على المشهد في الدولة الشيوعية. لم يكن هناك أي هامش للمعارضة، وكان يتم اعتقال آلاف المواطنين بشكل عشوائي تعسفي لأسباب «تتعلق بالأمن الداخلي». لذا كان مزعجا أن نعرف عند العودة إلى الولايات المتحدة عام 1969 أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لديه برنامج استخبارات مضاد يعرف باسم «كوينتلبرو» لا يقل ضررا من عدة أوجه عن التهديد الذي كنا نتصدى له في الخارج.

وكشفت جلسات مجلس الشيوخ في السبعينات أن مكتب التحقيقات الفيدرالي، باسم حماية أمن الدولة، تعامل مع الحقوق الممنوحة بموجب التعديل الأول كمجموعة من الأمنيات القديمة التي يتم تجاهلها. وكان البرنامج يشبه سلوك «ستاسي» بمراقبته للمواطنين واختراق منظمات حقوق الإنسان وعرقلة الأنشطة القانونية. ويعترف مكتب التحقيقات الفيدرالي على موقعه الإلكتروني بأن البرنامج واجه انتقادات في محلها من الكونغرس والشعب الأميركي لانتهاكه الحقوق التي يمنحها التعديل الأول، فضلا عن أسباب أخرى.

لحسن الحظ كبح الكونغرس جماح مكتب التحقيقات الفيدرالي وأعاده إلى موضع دعم الدستور لا مخالفته.

أين نحن الآن؟ يوضح اكتشاف حصول وزارة العدل سرا على تسجيلات مكالمات هاتفية لصحافيين واستهداف هيئة العائد الداخلي لجماعات محافظة تسعى للحصول على إعفاء ضريبي بقاء قبضة الحكومة القوية. هل هذه أشكال مختلفة لبرنامج مكتب التحقيقات الفيدرالي؟ ليس بالضبط، رغم إزعاجها. تنفق الحكومات الملايين لمنع الأسرار من الوقوع في أيدي الأعداء. وتحقق وزارة العدل في عدم تركيز عملية استخباراتية في الشرق الأوسط، انكشفت العام الماضي، على العمل السري لقوة أجنبية.

وجاء الكشف غير القانوني من الداخل. سعت وزارة العدل إلى معرفة من الذي كشف عن مؤامرة «القاعدة» الفاشلة في اليمن لوكالة «أسوشييتد برس». عملية اليمن، التي تم اكتشافها، أمر مختلف عن إخفاقات في الأمن القومي في السبب. يمكن أن ترجع هذا الانتهاك الخطير إلى الكبرياء والعجرفة المتمثلة في تفاخر المسرب الصبياني بدحر عدو لدود أو ما هو أسوأ، أي رغبة شخصية في تلميع صورة إدارة أوباما كقاتلة لتنظيم القاعدة. في هذا الشأن، لا يسع لإدارة أوباما أن تلوم إلا نفسها.

إضافة إلى الأخطاء التي يرتكبها مسؤول أميركي بتسريب أسرار الدولة، تزيد الإدارة الأمور سوءا من خلال تدشينها حملة تفتيش لسجلات المكالمات الهاتفية الصادرة والواردة في عشرين هاتفا بما فيها هواتف في المكتب أو المنزل وهواتف جوالة لصحافيين في وكالة «أسوشييتد برس» بخمس مناطق مختلفة وثلاث ولايات. نحن نتحدث عن سلطة ترتكب أعمالا طائشة متهورة.

على الجانب الآخر، وعودة إلى البيروقراطية، كان العاملون في هيئة العائد الداخلي يقضون وقتا ثمينا في تتبع جماعات محافظة تسعى للحصول على إعفاء ضريبي. وصدرت لهم تعليمات بـ«مراقبة» جماعات مثل «حزب الشاي» و«الوطني» بحسب تقرير المفتش العام بوزارة الخزانة لإدارة الضرائب. وتمت إقالة نائب رئيس هيئة العائد الداخلي وربما يأتي الدور على آخرين.

على الهيئة تسلق تل شديد الانحدار من أجل استعادة ثقة الشعب. مع ذلك هناك جانب مشرق في الأمر، وهو اكتشاف هذا السلوك غير الصحيح من خلال أجهزة رقابية داخل مؤسسة الدولة نفسها. بطبيعة الحال لم يكن ينبغي للفحص الانتقائي أن يحدث. مع ذلك تم وضع نظام المفتش العام للتصدي إلى أي احتيال أو إهدار أو إساءة استخدام من جانب الحكومة. موقف وزارة العدل أسوأ كثيرا. من الذي يمكن أن ينظر بجدية إلى مهمة الوزارة كما عبر عنها مكتب الخصوصية والحريات المدنية التابع لها، وهي «حماية الخصوصية والحقوق المدنية للمواطنين الأميركيين»؟

صرح محامي التعديل الأول الشهير فلويد أبرامز إلى «ذا ديلي بيست» خلال الأسبوع الحالي، بأن حصول وزارة العدل على تسجيلات لمكالمات هاتفية لصحافيين «من أكبر أشكال اختراق الخصوصية لصحافيين من جانب الحكومة بقدر ما تسعفني الذاكرة». وسأل أبرامز: «لماذا لم يضعوا هذه القضية أمام قاض؟ ما فعلوه كان مصادرة على أي رد ذي معنى من (أسوشييتد برس)». الأمر ليس فقط الحصول على تسجيل لمكالمات صحافي ليوم واحد، بل اقتحام ودخول إلى قلب العمل الصحافي لوكالة «أسوشييتد برس». وينبغي أن تشعر المنابر الإعلامية، التي تغطي أخبار واشنطن العاصمة، بالقلق. ربما يتساءل الصحافيون، الذين يعتمدون على مصادر سرية ويغطون فضيحة الفساد، ما إذا كان المحامي العام الأميركي، رونالد ماخين، سعى للحصول على سجلات مكالماتهم الهاتفية.. ففي النهاية كان مكتب ماخين هو الذي كتب مذكرات الاستدعاء في هذه القضية.

هل هذا إعادة إنتاج لبرنامج مكتب التحقيقات الفيدرالي؟ لا. هل هو غياب للرقابة على سلطة الحكومة؟ نعم.

* خدمة «واشنطن بوست»