الهند تخترق العقوبات الدولية على إيران!

TT

الاستعداد للانسحاب من أفغانستان العام المقبل، سيغير كل التحالفات والأوليات. كان يمكن للتدخل الغربي في سوريا أن يكون مختلفا لو لم تكن هناك قوات أميركية وأوروبية في أفغانستان، تستعد للانسحاب تاركة وراءها دولة مقبلة على اللااستقرار.

ومن أجل الانسحاب من أفغانستان تحتاج الولايات المتحدة إلى إيران وإلى عدم إغضاب روسيا. إن الانتخابات الأخيرة في باكستان، مع أنها جرت رغم تهديد «طالبان» بتعطيلها لأن آيديولوجيتهم ترفض مبدأ «الديمقراطية»، لا تضمن طريق انسحاب آمن للقوات الأميركية والأطلسية.

تعتبر الهند إحدى أهم الدول التي حفظت وحافظت على بوصلة سياستها الخارجية، فيما «الربيع العربي» أضعف الدول العربية ومزقها، كما أضعفت أفغانستان مصداقية الولايات المتحدة، إضافة إلى التردد الذي أصاب الإدارة الأميركية إنْ كان بالنسبة للأزمة السورية، أو للملف النووي الإيراني، أو لتحدي كوريا الشمالية. والهند التي تعرف أن علاقتها بباكستان لن تكون علاقة حسن جوار طبيعية حتى ولو أظهر رئيس الوزراء الباكستاني المتوقع نواز شريف الكثير من النوايا الحسنة بالنسبة لتطبيع العلاقة بين البلدين، نراها تعمل على تقوية علاقتها لا بإيران فحسب، وإنما بإسرائيل أيضا.

يبلغ عدد العمال الهنود في السعودية 2.8 مليون عامل. كما أن الهند تستورد 17% من حاجتها النفطية من السعودية، وفي حين تستورد السعودية ما قيمته 33 مليار دولار من الهند، فإن واردات الهند من السعودية تصل إلى 9 مليارات دولار.

لكن تبقى الهند من الدول النامية الواعدة اقتصاديا بفترة أقصر مما كان متوقعا، كما جاء في تقرير نشر أخيرا.

تعتبر الهند إيران استراتيجيا مهمة لها، وقد برز ذلك في الزيارة التي قام بها بداية هذا الشهر وزير الدولة للشؤون الخارجية سلمان خورشيد، حيث أكدت أن الهند لم تتخل عن إيران رغم العقوبات الدولية بحقها، لا بل تصر على إيجاد طرق جديدة لتكثيف العلاقات معها.

الدافع وراء هذا التوجه، أن الهند تهيئ نفسها لأفغانستان ما بعد الانسحاب الغربي - الأميركي عام 2014. ثم إن الهند تريد توجيه رسالة مزدوجة إلى الأميركيين بأنها مستمرة في سياسة خارجية تتناسب مع مصالحها الوطنية، وإلى باكستان بأنها لا تريد أن تكون الطرف المهزوم في لعبة الأمم التي تجري في أفغانستان.

تركز الهند كثيرا على مرفأ شاه باهار البديل الوحيد الذي يسمح لها بتجاوز باكستان والوصول إلى أفغانستان وآسيا الوسطى من دون المعاناة الدائمة للدخول إلى أفغانستان عبر باكستان، مع علمها بأن باكستان لن تمنحها حق المرور عبر أراضيها إلى أفغانستان. والمعروف عن مرفأ شاه باهار أنه يقع جنوب شرقي إيران.

في طهران، حيث شارك خورشيد في الدورة الـ17 للجنة المشتركة الهندية - الإيرانية، كان موضوع مرفأ شاه باهار على رأس جدول محادثاته مع كبار المسؤولين الإيرانيين ومشاركة الهند فيه كونه يربطها بأفغانستان ويعطي قوة دفع للتنمية الاقتصادية في أفغانستان.

وكانت الهند ساهمت في بناء المرفأ قبل نحو عشر سنوات، ثم إنها تشارك في بناء خط سكك حديدية بطول 560 ميلا ينطلق من مناجم الحديد في زابول جنوب أفغانستان ليصل إلى هذا المرفأ، وأبرمت اتفاقيات مع إيران وأفغانستان بأن تحظى البضائع الهندية المتجهة إلى آسيا الوسطى وأفغانستان بعمالة تفضيلية وتخفيضات جمركية في المرفأ. ومع تأكيد الهند وإيران على احترام ودعم سيادة أفغانستان ووحدة أراضيها، أكدتا على ضرورة زيادة التواصل بين روسيا وآسيا الوسطى وجنوب آسيا عبر ما يسمى «ممر النقل شمال - جنوب الدولي». وفي بيان صحافي صدر بعد محادثات خورشيد مع علي أكبر صالحي وزير خارجية إيران، تم التأكيد على أهمية التعاون لتوسيع علاقاتهما التجارية والمصرفية واتفقا على دراسة آفاق الاستثمار المشترك وتنوعه.

تعرف الهند أنها تسير عكس التيار، وأنها تثير غضب الولايات المتحدة والدول الأوروبية وأغلبية الدول العربية خصوصا الخليجية، لكن في زيارة خورشيد إلى طهران أرادت الهند الإصرار على أنها تتبع سياسة خارجية مستقلة، وتريد أن تبقى على اتصال مع إيران غير عابئة بـ«الخطوط الحمر» التي وضعها الغرب ولم يطبقها، وهذه مشكلة ستتفاقم لاحقا. كذلك كشفت هذه الزيارة أن إيران والدول التي تتعامل معها تجد آلاف الطرق لتجاوز العقوبات الدولية المفروضة على إيران؛ إذ تستمر الهند في استيراد النفط الإيراني رغم العقوبات الدولية، وكانت الدولتان حلتا مشكلة المقابل قبل عام عندما عملتا على وضع آلية لمدفوعات النفط الإيراني تنص على أن تدفع شركات النفط الهندية 45% من واردات النفط الإيراني بالروبية الهندية، والباقي عن طريق المقايضة وشبه نظام المقايضة. بسبب «نجاح» هذه الآلية وإصرار السياسة الخارجية الهندية على إبقاء الخطوط «النفطية والاقتصادية» مفتوحة مع إيران، عرضت إيران خلال زيارة خورشيد نظام إنتاج مشترك للتنقيب عن النفط، يعطي الهند ملكية النفط المستكشف والمستخرج مع الحق في حرية شحن ما تكتشفه إلى أي مكان تريده. كما جرى التوقيع على التعاون في مجال إدارة الموارد المائية بين البلدين (المشكلة العالمية المتوقعة).

الهند في خطواتها هذه، تجاوزت العقوبات الدولية رغم التوقعات بأن الغرب سيحاول عرقلة هذه المشاريع؛ إذ حاولت هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية الأميركية «تأنيب» الهند عندما بدأت تجارتها عبر مرفأ شاه باهار.

إيران من ناحيتها، تساعدها على خرق الحصار الدولي حاجة دول مثل الهند والصين إلى النفط، وباكستان إلى الكهرباء، وحاجة الولايات المتحدة أيضا لها مع الاستعداد للانسحاب من أفغانستان.

ومع الانفتاح على إيران، تنفتح الهند على إسرائيل، والعلاقات الدبلوماسية التي بدأت بين البلدين عام 1992 تطورت بشكل كبير في مجالات الدفاع والتجارة والسياحة. تقول الهند إن هذا عائد إلى سياستها الخارجية المتوازنة. وتشير التقديرات إلى أن الهند اشترت أسلحة إسرائيلية بقيمة 9 مليارات دولار تراوحت بين صفقة طائرات «أو إكس فالكون» وصفقة طائرات من دون طيار. وتتعاون حاليا الدولتان على إنتاج صواريخ بعيدة المدى للقوات البحرية، ومتوسطة المدى للقوات الجوية. أما التبادل التجاري الذي كان أقل من 200 مليون دولار عام 1992، فقد قفز خلال 2011 - 2012 إلى 6.6 مليار دولار. وتشكل تجارة الماس أكثر من 50% من حجم التبادل التجاري بين البلدين. ووصل عدد السياح الإسرائيليين العام الماضي إلى 50 ألفا، والعدد نفسه ينسحب على السياح الهنود إلى إسرائيل. وتنوي تل أبيب هذا الشهر فتح مكتب للسياحة في مومباي، كما وافقت على زيادة عدد رحلات خطوطها الجوية «العال» بمعدل رحلة يوميا إلى مومباي.

من ناحيتها، لم تتخل الهند عن علاقاتها السياسية والاقتصادية القوية مع الفلسطينيين والدول العربية، لأن سياستها الخارجية تعتمد على حماية مصالحها وتنطلق من موقعها الاستراتيجي.

وإذا كانت حدود سايكس - بيكو تغيرت في الشرق الأوسط، فإن خطوط ربط جديدة ستبنى في منطقة آسيا الوسطى وشرقها وجنوبها بعد الانسحاب الأميركي - الغربي من أفغانستان. وبين الذين يتطلعون بصخب عال إلى تلك المنطقة إسرائيل التي تقوي علاقاتها بالصين والهند وتسلف روسيا وعودا كثيرة، بعدما أضعف «الربيع العربي» الدول العربية، وشل تركيزها، وأغرق بعضها في حروب داخلية تفكيكية، وبعضها الآخر انغمس في مستنقع تلك الحروب.