قطر! ماذا حدث؟

TT

قبل 7 أعوام كانت زيارتي الأولى للدوحة ولم تجذبني المدينة لعدة أسباب كان على رأسها عدم الاهتمام بالموروث الثقافي والأثري المرتبط بعنصري الطبيعة الصحراء والبحر. والسبب الثاني الذي جعلني أعجل بالرحيل من الدوحة هو النقص البشري والعمراني الملحوظ في ذلك الوقت غير البعيد، وكنت على قناعة أنه من الصعب على أي حكومة تغيير هذا الوضع في زمن قصير في ظل النقص الحاد في المياه الصالحة للشرب ونقص الموارد البشرية وبالتالي فإن قطر بلد بلا ماء أو بشر.

ومنذ أسابيع قليلة تكررت الزيارة إلى الدوحة ومن الوهلة الأولى تتأكد أن هناك شيئا ما حدث وبعد يومين فقط من الزيارة لم يكن لدي شك من أن معجزة حدثت وأصبح البلد الصغير ينبض بالحياة والعمران.. وتتحول قطر إلى نموذج فريد مصغر للعالم كله.. على أرضها يعيش أكثر من 60 جنسية مختلفة يتحدثون لغاتهم ويمارسون دياناتهم وتستعجب من أن كل هذه الجنسيات والديانات واللغات المختلفة تعيش معا في سلام دون مشكلات حيث اتسعت لها قطر ولم يتسع لها العالم؟! ولذلك مكثت أسبوعا كاملا لم أحاول خلاله مقابلة أي مسؤول حكومي لأنني وجدتها فرصة لكي أعرف كيف حدث هذا التطور المذهل وتحويل الثروة إلى اقتصاد وثقافة على مستوى راق.

وكنت سعيد الحظ بمقابلة صديقي المصري الدكتور ياسر عثمان، وهو مهندس معماري نال درجة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا الأميركية، وله اهتمام خاص بالتراث الأثري والحفاظ عليه، ولذلك رأيت قطر بعيون مصري عاشق لقطر، وعيون قطري عاشق للفنون وتاريخ الحضارات وله مؤلفات مهمة في الفنون وقضايا التراث وهو الأستاذ محمد علي الذي يتحدث عن الفن والتراث بلسان وقلب عاشق. ولهما أصدقاء من مختلف الجنسيات، وهم في مجلسهم لا تفرق بينهم على أساس جنسياتهم أو ثقافاتهم المختلفة، فجميعهم عاشق لبلده.. يتحدثون ويتجادلون ويتضاحكون وعندهم أفكار جميلة ومشاريع تراثية رائعة. ومع الأستاذ محمد والدكتور ياسر تجولت في كل أنحاء قطر، وبات واضحا الاهتمام بالموروث الثقافي والحضاري ومراعاة هذا البعد في كل المشاريع والخطط المستقبلية. ولم يكن غريبا أن أجد اهتماما بالتعليم ووجود 6 جامعات عالمية تطبق مناهجها بقطر وفى نفس الوقت هناك مشروع كبير للحفاظ على اللغة العربية وتطوير موقع «ويكيبيديا العربي» لتوفير المعلومة الصحيحة بلغة عربية سليمة. وفى مقالاتنا القادمة سنقدم للقارئ العربي أماكن تراثية ومتاحف أثرية وفنية توجد بيننا في بلادنا العربية ولا يعرف عنها الكثيرون. عندي حلم كبير أن يأتي يوم يكون لدينا خطة ومنهج وقانون واحد للحفاظ على التراث، يطبق في كل بلادنا العربية وذلك بعد أن نكون قد انتهينا من توثيق ما لدينا من تراث هو بحق أعز ما نملك.