فاتورة حزب الله

TT

بعد الخطاب التلفزيوني الأخير لزعيم ميليشيا حزب الله، حسن نصر الله، لم يعد هناك مجال للبحث والاعتقاد ومحاولة فهم موقف حسن نصر الله من دعم نظام بشار الأسد والقتال دفاعا عنه، فهو أعلنها بصريح العبارة وبلسانه وبشكل واضح وصريح وقدم مبرراته «العجيبة» لشرح موقفه هذا، وقال لأنصاره إنه يعدهم بالنصر، وطلب من مخالفيه في الموقف من اللبنانيين والمؤيدين لثوار سوريا عدم الاقتتال في طرابلس ولكن الاقتتال في سوريا، وهي لغة غير حكيمة وغير منطقية على أقل تقدير.

بدا حسن نصر الله في خطابه مرتبكا ومتوترا يصرخ تارة ويبتسم بلا داع تارة أخرى، يذكر الناس أنه حركة مقاومة ويكاد يقسم مذكرا وكأنه يستشعر حجم المصداقية الهائل الذي تبخر منه بسبب موقفه المؤيد لنظام مجرم ودموي وطاغية. يدرك حسن نصر الله أنه بات عليه سداد أكبر فاتورة جراء الثورة السورية، فسُمعته كفصيل مقاوم تبخرت وطارت ولم يعد بالإمكان ربطه أبدا بفصيل قاوم إسرائيل، والسمعة التي نالها جراء ذلك اختفت، ومع كل ذلك زال الحصن الشعبي الذي كان بمثابة غطاء وشرعية عظيمة له تقيه أمام كل المواقف السياسية المتناقضة، وخصوصا في الداخل اللبناني، وأصبح مكشوفا أمام العالم.

ويضاف لتوتر حسن نصر الله تحديدا وحزب الله عموما أنه يدرك تماما أن شريان الحياة المتمثل في بقاء النظام السوري يزول، وأن العمق الإيراني لن يكون بإمكانه تعويضه بسبب البعد الجغرافي وصعوبة إيجاد التجهيزات نفسها التي وفرها نظام الأسد بشكل مؤثر وفعال، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل هيبة الحزب العسكرية بأنه قوة لا تقهر خلخلت قوة إسرائيل وأرعبتها وكانت أهم مهدد لها، تبخرت هي أيضا وتحول الحزب وقوته العسكرية إلى «ملطشة» أمام قوة الثوار، وكانت أرتال جثث حزب الله تعود وسط ذهول وصدمات ونحيب المعزين والمشيعين من هول الصدمة وعنف الخسارة. كذلك خسر الحزب العديد من أهم رجالاته وقادته الميدانيين الذين تصدروا لمهمة القضاء على القصير «بسرعة وفعالية»، وكلفه ذلك الأمر تمددا في الأراضي لم يعهده، وكشفه للثوار وأنهك ميليشيا حزب الله التي لم تعتد قط على مثل هذه المواجهات، وتحول اعتقاد حزب الله بشكل كامل إلى قناعة وإيمان مطلق بأن سقوط بشار الأسد الوشيك هو نهاية الحزب، وهو الذي يفسر القتال الأشبه بالجنوني من عناصر حزب الله وتحولهم إلى من يقاتل وهو في الرمق الأخير.

لم يعد حزب الله قادرا على التفريق، حيث موقفه المتشابه والمتطابق مع خطاب إسرائيل وهما يدعوان للقضاء على التكفيريين ومنع وصولهم بأي شكل والبقاء على نظام الأسد مهما كان الثمن، والحزب بهذا الشكل تحول إلى أداة تنفيذية حقيقية لرغبة أميركا وإسرائيل في القضاء على «التكفيريين ونابشي القبور» بحسب وصف حسن نصر الله للثوار السوريين الذين يقاتلونه وحزبه.

حسن نصر الله وميليشياته أصبحوا في ورطة لا مخرج منها، فهو عدو علني لسوريا اليوم وثورتها، وعدو لمعظم لبنان ولا ضمان له للنصر لأن المجتمع الدولي مجمع على عدم بقاء الأسد بما في ذلك الروس الذين صرحوا بأنهم راغبون في إبقاء الدولة وليس الأسد.

حسن نصر الله مثل الطغاة الذين سبقوه وتاجروا بقضية فلسطين ففضحتهم الجغرافيا.. عبد الناصر أضاع الطريق وانفضح في اليمن، وحافظ الأسد في لبنان، وصدام حسين في الكويت، وها هو حسن نصر الله يُفضح في القصير بسوريا. حسن نصر الله وحزبه انتهوا.