مفكرة يوم في بيروت

TT

صباح الأحد الماضي، كنت ضيفا على الزميلة جيزيل خوري في إذاعة «صوت لبنان» الكائنة على هضبة تطل على خليج المتوسط الرائق. كان الحوار حول الخوف الماثل ودعوة الأمين العام لحزب الله بالأمس إلى المبارزة في سوريا، وسقوط صاروخين ذلك الصباح على الضاحية الجنوبية. توقعت أن يرتعد البلد. لكنني في طريق العودة من ضبية نحو العاشرة صباحا رأيت أرتال السيارات تحمل آلاف الذاهبين إلى الشواطئ والنزهات.

كنت على موعد مسبق في إحدى قرى جنوب لبنان. وقد سمعنا أن توترا يلف صيدا، عاصمة الجنوب. هل أذهب؟ قررت المضي فوجدت حركة السير باتجاه الجنوب مثلها في كل يوم. والبحر الأزرق إلى اليمين يشرق، مثل كل يوم، زرقة أبدية. وبعض الشبان يتجهون إلى المسابح الشعبية بلباس السباحة وحفاة. أبقيت الإذاعة مفتوحة، خوفا من صدور أي «خبر عاجل» يعلن إغلاق الطريق بالحجارة والدواليب المحروقة. وصلت إلى موعدي وبي حزن وخوف. فالطريق مفتوحة في الذهاب، لكن ماذا عن طريق العودة؟ أو بالأحرى عن حق العودة؟

الطريق مفتوحة أيضا. والأرتال متتابعة أيضا. والشبان الحفاة أنهوا نهار السباحة ووقفوا على الطريق ينتظرون باصا رخيصا. قبل التوجه إلى البيت، تذكرت أن أزور صديقا متوعك النفس. خلال حرب لبنان، زارني في مكتبي بالكويت الزميل الراحل جورج إبراهيم الخوري. وفيما وقفت أستقبله بادرني بالقول: «إن شاء الله ما في عندكم متاعب نفسية». نبهتني الجملة إلى حقيقة رهيبة: التعب النفسي أشد هولا.

تذكرت تلك الجملة الراسخة، في الجناح الذي فيه صديقي. أناس متعبون. شبان وكهول. أتعبهم لبنان. هدهم القلق. دمرتهم حال العرب ويأس الأمة وحجم الفواجع. الصاروخان اللذان انفجرا في الضاحية صباحا سمعا في المستشفى فارتعدت النفوس المتعبة أصلا وبرق الخوف في العيون. سألني صديقي ماذا أتوقع؟ بماذا أجيب رجلا متعبا؟ ماذا أتوقع؟ قبل يومين، التقيت الأستاذ فؤاد بطرس أحد أبرز وزراء الخارجية، قال لي إن مبعوثا رئاسيا رفيعا زار لبنان واجتمع إلى معظم الفرقاء بصفة رسمية خالصة، وفي نهاية الجولة مر به، سأله الوزير عن انطباعاته العامة، فقال المبعوث: باختصار أم بالتفصيل؟ قال، باختصار. قال: مزرعة! وعاد الوزير وقال: وبالتفصيل؟ رد المبعوث: مزرعة! لم أخبر صديقي المتعب بذلك. لم يكن قد نسي بعد صوت الصاروخين على مسمع منه.