فتش عن المرأة

TT

نكتشف بعد قليل من التأمل أن كل هذه المدنية الغربية المذهلة التي أخذت تقودها أميركا الآن تعود في الواقع إلى المرأة، والمرأة العربية على الخصوص.. فقد اعتادت على استعمال التوابل وعلى رأسها القرفة (الدارسين) في الطبخ لتحظى برضا زوجها. ومنها تعلمت المرأة الإسبانية والبرتغالية هذا السر، عملا بالحكمة القديمة: المعدة أقصر طريق لقلوب الرجال. وبعد انتهاء الحكم العربي في الأندلس أصبح على الإسبان أن يعتمدوا على التجار العرب في توريد هذه المواد. وفرض عليهم التجار العرب أرباحا عالية.. بل وتعقدت العملية أكثر وأكثر نتيجة دخول الشرق والغرب في حروب ومنازعات مستمرة. فجلست مانويلا حائرة كيف ترضي زوجها أنطونيو بأكل شهي من دون قرفة وفلفل. أصبحت التوابل باهظة الثمن ولا تراها إلا في السوق السوداء.

فكروا في اكتشاف طريق لمصادر التوابل في جنوب آسيا لا يمر بالعالم العربي. فاكتشفوا طريقا بحريا يمر من جنوب أفريقيا. فأقام البرتغاليون قلاعهم ومستعمراتهم على طول هذا الطريق، وكله لجلب القرفة لمانويلا. سرعان ما سمع الهولنديون بهذه التجارة فدخلوا الميدان وأزاحوهم من سريلانكا (المصدر الرئيس للقرفة) وأسسوا شركة هولندا الشرقية. ثم جاء الإنجليز وطردوا الهولنديين واستعمروا سريلانكا والهند وأسسوا شركة الهند الشرقية.

بيد أن رجلا آخر اسمه كريستوفر كولومبس، فكر قليلا ورأى أن من الممكن الالتفاف حول الكرة الأرضية بالسير غربا عبر بحر الظلمات، المحيط الأطلسي، للوصول للهند والحصول على القرفة بدلا من السير شرقا والاصطدام بالقراصنة العرب. فعل ذلك، ولكنه بدلا من الوصول للهند اصطدم بأميركا، وبدلا من الحصول على القرفة وتوريدها لمانويلا، حصل على الذهب فراح الإسبان ينهبونه لملوكهم. لم تعبأ المرأة الإنجليزية كثيرا بالقرفة أو الفلفل، ولكنها حالما سمعت بالذهب شنفت أذنيها وقالت لزوجها ولتر رايلي: ما لك جالسا هنا تلعب كرة على سفوح بليموث والإسبان يحملون الذهب لملكتهم؟! يللا امش! شوِّفنا طولك!

سمع كلامها ولتر رايلي فرمى كرات «البولينغ» من يديه ومشى وقاد الأسطول الإنجليزي في معركة حاسمة دمر فيها الأسطول الإسباني في معركة الأرمادا. فاحتكرت إنجلترا نهب الذهب من مملكة الإنكا وقبائل الهنود الحمر في أميركا. وأقام الإنجليز مستعمراتهم في العالم الجديد لتنمو وتتطور وترتقي إلى المدنية المذهلة والقوة الجبارة التي نجدها أمامنا اليوم وننتظر منها أن تحل لنا كل مشاكلنا ونحن قعود.

كيف حدث كل ذلك؟ بكل بساطة من حاجة المرأة الإسبانية للقرفة والفلفل لتفلفل أطباقها من الباييلا وتحظى بها بمحبة زوجها ومرضاته عنها. ألم أقل؟ بلى، فتش عن المرأة! ربما يحق لك أن تقلب العبارة فتقول: بل فتش عن معدة الرجل وبطنه.

وعندما أفكر في الأمر يلوح لي أن فاطمة أو عائشة التي تفننت في استعمال القرفة والفلفل وعلمت المرأة الإسبانية عليها، هي صاحبة الفضل في بناء هذه الحضارة الغربية المعاصرة.