جريمة لندن والنقاش العالق حولها

TT

لم يكن القتل الوحشي للجندي البريطاني «لي ريغبي» ذبحا في وسط لندن بصادم فقط، بل كان استعادة مروعة لماض قريب تصدرت فيه إشكالية اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية والغربية وتسلل الكثير من الخطابات والشعارات المتطرفة ضمن تلك البيئة.

ينبغي الاعتراف أنه لا يبدو أن تغييرات كبيرة طرأت في السنوات الأخيرة.

بعد 48 ساعة من وقوع جريمة لندن سجل وقوع 150 حادثة كراهية وسجل عداد الراصدين لمثل تلك الجرائم تضاعف نسبة الاعتداءات المرتبطة بالإسلاموفوبيا نحو عشر مرات فيما غرقت الشرطة بشكاوى من تعليقات عنصرية نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر رسوم جدارية حملت شعارات عنصرية ضد المسلمين.

لعلها فوضى مشابهة لتلك التي تشهدها دول الثورات العربية في تحديد هوية المجتمعات والدولة إسلاميا أصابت شظاياها مجتمعات المسلمين في الغرب.. ها هي صحف بريطانيا تطرح تساؤلات حول الجهاديين البريطانيين الذين سقط بعضهم في سوريا فيما يستمر البعض الآخر في القتال. تسأل مقالات كثيرة عن الفكر الذي سينقله العائدون من هؤلاء إلى بريطانيا في محاولة لمقاربة الأمر من خلال تجربة المجتمعات التي استقبلت مجاهدين عائدين من أفغانستان قبل أكثر من ثلاثة عقود..

ينبغي الالتفات إلى مدى الانشغال الأوروبي بهذا النقاش وهو نقاش حيوي ومهم ولو تخللته أحيانا شطحات عنصرية من نوع التغريدة التي أطلقها عبر «تويتر» زعيم الحزب القومي البريطاني والتي دعا فيها إلى لف قتلة الجندي البريطاني في جلد خنزير ثم إطلاق النار عليهم ثانية وهي تصريحات أثارت غضبا وقلقا.

القول إن بريطانيا بعد جريمة قتل «لي ريغبي» دخلت في حرب ضد الإسلام كلام لا يعكس الحقيقة. إذ في مقابل السعار ضد المسلمين هناك الكثير من النقاشات عبر الإعلام وكل مساحات التواصل حول كيفية وقوع مثل هكذا جريمة وآليات امتصاص مفاعيلها.

مثلا هناك حملة واسعة في الجامعات البريطانية لمنع التطرف والشرح للطلبة ما يمكن فعله لتحجيم الكراهية. تلك الحملات هي جزء من نقاش واسع حول استراتيجية مكافحة التطرف ومدى نجاحها وهي قضية مطروحة بشكل أكبر على المسلمين أنفسهم وعلى خطابات جماعات واسعة من بينهم.

يشعر من يتابع النقاشات في بريطانيا بعد جريمة لندن أن تلك مجتمعات حية والمآزق التي تصيبها تدخلها في آليات من التفكير وتدرجها في عمل مؤسسات فتعيد إنتاج قيمها وفقا لما تمليه توافقات أخلاقية.

وفي هذه المعادلة يبدو الإعلام حاملا لهذا النقاش ومسرحه.. وما يبقى من أثر عمل كجريمة لندن أنها تلتصق بوجه فاعلها فتعرض قيمنا إلى مزيد من التدقيق من قبل غيرنا وهنا يبرز السؤال عن موقعنا من هذا النقاش لا بل عن نقاشنا الخاص الذي لم نخضه سواء لجهة علاقتنا بغيرنا أو لجهة علاقتنا بحالنا الجماعية.. ويمتد السؤال إلى إعلامنا ودوره في إطلاق نقاش مواز للنقاش الذي تحمله وسائل الإعلام الغربية.

diana@ asharqalawsat.com