التمتع بالحمامات

TT

لا شك في أن النظافة من الإيمان، ومثلما هو المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، كذلك المؤمن النظيف خير من المؤمن الوسخ، والمؤمن الأنيق (الشيك) خير من المؤمن (المهرجل)، فالله جميل يحب الجمال.

وشيء لطيف أن تقرأ من راهبة مسيحية شابة تتحدث بإعجاب عن نظافة المرأة المسلمة وحبها للاستحمام، ودعونا نقرأ وصفها وانطباعاتها وهي تقول أثناء زيارتها دمشق في القرن التاسع عشر: الحمامات في جميع أنحاء الشرق معروفة كمؤسسة رسمية عامة تقع ضمن مسؤولية الدولة لغرض صيانتها، وعادة تفتح في نصف النهار الأول للنساء والنصف الثاني للرجال، ولكن بالنسبة لهذا الاحتفال الذي أتحدث عنه صيف سنة 1825 فإنه قد تم تأجير الحمام ليبقى تحت تصرف النساء من الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الرابعة بعد الظهر، لأن هناك مناسبة عرس. وتنقسم الحجرات إلى عدة أقسام؛ القسم الأول بنفس حرارة الجو الخارجي والقسم الثاني أدفأ، وهنا تنزع النساء ملابسهن استعدادا للاغتسال، وهنا أيضا توجد (أماكن) قريبة من الجدار معدة للاستلقاء حتى تختار النساء ذلك خلال قضاء ساعاتهن في الحمام، القسم الثالث أكثر حرارة وفيه تتم عملية الاستحمام والاغتسال.

وتمضي قائلة: وصلت الحمام الساعة الثانية بعد الظهر، وجدت نفسي أنني وصلت متأخرة وكنت آخر المدعوات والحشد كله قد وصل الساعة الثامنة صباحا. من ضمن المدعوات كانت هناك نساء على درجة كبيرة من الغنى ترافقهن على الأقل عشر عبدات وبعض البيضاوات من المرافقات، وبعضهن يقدمن المرطبات، وبعضهن مشغولات بنزع الملابس أو العكس لسيداتهن أو يستجبن لطلبات السيدات بما تقتضيه المتعة أو الحاجة.

عندما دخلت الغرفة لم يكن هناك أقل من ثلاثمائة وخمسين امرأة، ويبدو عليهن كلهن الانشراح، بعضهن يستحممن، والأخريات يسترخين ويمططن أجسامهن وأطرافهن على المصاطب في الغرفة الثانية، وهناك أخريات يأكلن الحلويات ويشربن القهوة، والبعض الآخر يدخن الأراكيل، أو يغنين ويرقصن، والأغلبية تتحادث وتتضاحك فيما بينهن، في الحقيقة لم أرَ نساء بهذا المرح والانشراح من قبل، ويتزين بعضهن بأغلى المجوهرات ويلبسن أفخر الملابس والأزر أو الحجاب المصنوع من الموسلين والأبيض مثل لون ريش طائر اللقلق.

هل هناك تنعم أكثر من التمتع بالحمام؟ في الشرق، الحمام هو المكان الوحيد للنساء للاسترخاء، تلتقي فيه المرأة صديقاتها ومعارفها، هنا تبوح بأحزانها، وتشارك مسراتها بلا قيود مع صديقات حميمات إلى قلبها، وهذا هو المكان الوحيد الذي تكون فيه متحررة من غيرة سيدها الرجل ومراقبتها - انتهى.

جوابي أو تعليقي على ما ذكرته الراهبة هو كالتالي: إذا كانت الحمامات (هيك) فعلا، فليس هناك إذن أكثر من هذا التنعم والتمتع بها، ويا ليتني على هذا الحال أكون بلاطة (سيراميك) على كل مصطبة من مصاطب تلك الحمامات.

ولكن الآن ويا حسرة! لم يعد هناك حجر على حجر في دمشق لم يهتز، ولم يعد هناك رجل أو امرأة أو طفل لم يفجعه ويصم أذنه أصوات المدافع والطائرات والصواريخ والتفجيرات.

البلد كله أصبحت معجونة بالدماء والدموع والبغضاء، ولم يعد هناك مكان لحمامات ومستحمات، فالحمامات إما تدمرت أو عشعشت فيها العناكب، والمستحمات أما ترملن أو تشردن أو ملأ الخوف قلوبهن.

لك الله يا سوريا!

[email protected]