حقوق الإنسان الخليجي

TT

قرر وزراء خارجية دول مجلس التعاون في يونيو (حزيران) 2010 إنشاء مكتب في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يتبع الشؤون القانونية ويختص بالمسائل ذات الصلة بحقوق الإنسان. وعلى ضوء ذلك، عُقدت عدة اجتماعات لرؤساء الأجهزة الحكومية المعنية بحقوق الإنسان في الدول الأعضاء. وانتهت تلك الاجتماعات بتقديم رؤية أو مشروع «ميثاق حقوق الإنسان لمجلس التعاون» في شكل إعلان إلى المجلس الوزاري في أبريل (نيسان) الماضي. وشُكلت لجنة من الخبراء والأمانة العامة لاقتراح آلية للتعامل مع المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، والردّ على انتقاداتها لدول المجلس. ولقد جاء في تقرير للأمانة العامة أن المشروع سوف يتضمن نصا يتعلق باحترام الأديان وعدم التطاول على رموزها، والتأكيد على ما ذهبت إليه الأعراف والمواثيق الدولية بتحريم التطاول على الأنبياء وازدراء الأديان (هذا ما ورد في بيان على موقع الأمانة العامة).

ويعتبر إنشاء هذا المكتب خطوة حضارية في مجلس التعاون، خصوصا أن نص «حقوق الإنسان» لم يُتضمن في أي من أدبيات المجلس، طوال 30 عاما. الإشكالية أن موضوع حقوق الإنسان في المنطقة «مُلتبس» وتحيط به مجموعة من «التابوهات» التي ظلت من دون تفسير، بل إن وسائل الإعلام لم تقترب منها، ذلك أن التباس المصطلح، وقيام بعض «الخبراء» بربطه بالغرب، كمفهوم معارض للدين، جعل الإدارات المتعاقبة في الدول تتجنب الحديث فيه، أو على الأقل التصريح بنشره كموقف، لأنه في حقيقة الأمر، وُجدت مقاربات، بل ومطالبات من الهيئات الحقوقية، بل والجمعيات أو اللجان الوطنية (الرسمية) لحقوق الإنسان، بضرورة الالتفات إلى هذا الموضوع، الذي هو محل اهتمام العالم، مع التوضيح أن هناك قوانين تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان بكل وضوح. وطالبت تلك اللجان بضرورة تعديل أو إلغاء تلك القوانين، مثل قانون الطوارئ أو المصلحة الوطنية أو حماية المجتمع، وغيرها من الأسماء التي وُضعت لتلك القوانين.

وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصادر عن الأمم المتحدة عام 1948، قد دعا إلى مجموعة من «الأخلاقيات»، عبر المبادئ التي يجب أن تلتزمها الدول المنضوية تحت راية الأمم المتحدة، خصوصا المادة رقم «1». وكذلك المادة رقم «2».

وتمضي المواد الـ30 التي وردت في الإعلان موضحة مجالات حفظ حقوق الإنسان بدءا من الحريات الشخصية، وحتى حرية التعبير التي كفلتها المادة «19» من الإعلان وحتى المادة «30» التي تحظر قيام الدولة أو الجماعة أو الفرد بأي نشاطات أو أعمال تهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة في الإعلان.

يضاف إلى ذلك، وتدعيما من الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إصدار العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1966، وهما يشرحان بتفصيل أكثر المبادئ الواردة في الإعلان.

بودنا - ونأمل أن يكون قد تم ذلك، لعدم إطلاعنا عن مسودة المشروع - لو قامت اللجنة المختصة بوضع مشروع الإعلان الخليجي لحقوق الإنسان، بدراسة الوثائق الثلاث المذكورة أعلاه بتجرد، كي يكون المشروع عالميا، ولا يجري تفصيله حسب الظروف التي تعيشها دول المجلس، وبالتالي يكون «مسخا» غير محدد الرؤية وتحيط به ضبابية وتكتنفه عدة تفسيرات. أو أنه يتعارض مع المواثيق الدولية، لأنه لن يكون لهذا الجيل فحسب، بل لأجيال مقبلة سوف تتمتع حتما بحريات أكثر وتطالب بحقوق أشمل.

إن موضوع احترام الأديان ورموزها وعدم التعرّض لهم، موضوع مفروغ منه، وعالجته قوانين الإعلام المحلية، ولا خلاف على ذلك. المطلوب من مكتب حقوق الإنسان الخليجي أن يبحث في التجاوزات التي تحصل في مجال حقوق الإنسان، وأن لا يركز فقط على «الواجهات» الإعلامية، كما تفعل بعض لجان حقوق الإنسان الرسمية في بعض دول المجلس، مثل التأكيد على حقوق الوافدين، وحماية العمال والخدم وبحث التعديات التي قد تحصل على كرامتهم والاجتراء على حقوقهم فقط (وهذه مادة للاستهلاك الإعلامي الخارجي)! بل على المكتب أن يختار من الحقوقيين من أبناء المنطقة ليشاركوه بحث القضايا المخالفة لحقوق الإنسان أو الميثاق الموضوع، وليس الاعتماد على الموظفين الرسميين الذين تمنعهم وظائفهم من الحديث الشفاف عن أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة - مع اعترافنا بأنه موضوع شائك ومُحرج - كي يكتبوا له التقارير ويناقشونها مع الأمانة العامة. ذلك أن المصداقية (Credibility) تكون أفضل وأقوى لدى الجمعيات غير الرسمية أو الأشخاص المهتمين بالشأن الحقوقي. وكثير من لجان حقوق الإنسان الوطنية تكون تابعة لجهة حكومية، وهذا ما يفقدها المصداقية في المحافل الدولية. ولكَم شهدنا معارضة شديدة من الدول الأوروبية والهيئات الحقوقية الدولية للتقارير الدورية الشاملة (U.P.R) التي تُعرض في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف! ذلك أن الجهات التي تضع هذه التقارير لا ترى إلا جزءا واحدا من الكأس، بينما تكشف اللجان الحقوقية (غير الحكومية) في العالم عن الجزء الآخر منها.

الاهتمام بحقوق الإنسان في دول مجلس التعاون أمر طيب وإيجابي، ولكن يجب أن لا يكون ذاك المكتب إدارة تنسيقية - كما هو شأن كثير من الإدارات في الأمانة العامة - بل يجب أن يكون مكتبا مهنيا يمارس دوره على أكمل وجه ودون وصاية من أي طرف! كما يجب أن توفر له سُبل النجاح من الموارد البشرية المؤهلة والموارد المالية، كي يعايش ويتابع أي انتهاكات لحقوق الإنسان في المنطقة، وأن يتعامل مع الإنسان لا مع الدول.