ربيعنا مدبلج إلى التركية

TT

غرق الإعلام السوري الرسمي والإعلام الموالي له في مقارنات مضحكة خلال تغطية مظاهرات تركيا. استفظع هؤلاء «وحشية» خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع التي استعملها الأمن التركي. كم تبدو المياه مروعة في مقابل عطور «السارين» وخفة براميل المتفجرات و«السكود» التي يطلقها النظام السوري!

لكن بعيدا عن هذه الخفة في المقارنة يستحق حراك ساحة «تقسيم» مقاربة من زوايا كثيرة، أحصر النقاش هنا في الزاوية الإعلامية.. فبينما كانت ساحة «تقسيم» الشهيرة في وسط إسطنبول تعج بالمتظاهرين الغاضبين، كانت أشهر محطات البلاد مشغولة بتغطية أخرى.. فواحدة بثت فيلما وثائقيا عن طيور البطريق، بينما واصلت الأخرى بث برامج طبخ.

لقد جعل الإعلام التركي من انتفاضة ساحة «تقسيم» في إسطنبول حدثا عالميا لا تركيا. وهو لم يفعل ذلك لأنه تولى نقلها إلى العالم إنما لأنه تجاهلها، بينما تولت وسائل الإعلام العالمية جعلها خبرا أولا في تغطيتها. وللمفارقة، فإن خبر المظاهرات كان خبرا أول على نشرة أخبار «CNN» العالمية، بينما بثت «CNN» التركية فيلم البطريق، فبات هذا الطائر رمزا لفضيحة الإعلام التركي ودعابة يجري تداولها بين الأتراك.

ويبدو أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال سنوات حكمه العشر نجح في جعل الإعلام التركي الخاص جزءا من شبكة مصالحه الاقتصادية فأخضعه لمجموعات شركات كانت جزءا من اقتصاد حكومة «العدالة والتنمية».

وانتفاضة «تقسيم» كانت في إحدى صورها انتفاضة على سعي أردوغان لتأديب إعلاميين بعد أن نجح في إخضاع المؤسسات، فهو سبق أن طلب من وسيلة إعلام تأديب صحافي فيها وهو ما انصاعت إليه إدارة تلك الوسيلة. كما أنه قاضى عددا آخر من الصحافيين من دون مؤسساتهم. وتوج هذه النزعة بكلامه في غمرة انتفاضة «تقسيم» عن أن الإعلام الاجتماعي كارثة حقيقية على المجتمع.. لكن بينما قصر الإعلام التقليدي كان الإعلام الاجتماعي يغلي، تماما كما كان في ساحات التحرير في مصر، حيث بات مستوى التفاعل التركي عبر «تويتر» ظاهرة.. ففي ليلة واحدة تم إرسال 3000 تغريدة في الدقيقة.

وإشارة أردوغان إلى الإعلام الاجتماعي بأنه كارثة تدل على أن إمساكه بالإعلام التقليدي المرئي والمسموع والمكتوب لم يعد كافيا لحجب المشهد ولمنع تغطية الحدث.. فبينما تولى الإعلام العالمي نقل الصورة إلى العالم، تولى الأتراك في ساحات «التقسيم» عبر «تويتر» و«فيس بوك» تأمين التغطية للرأي العام الداخلي. وهنا خسرت وسائل الإعلام التركية التقليدية شوطا في المنازلة. وهي اعترفت واعتذرت لكن ذلك لا يبدو أنه سيكون مجديا، ذاك أن نقاشا أفضت إليه هذه السقطة عاد لتشهده الأوساط الإعلامية التركية، وهو يتمثل في مدى أخلاقية أن يكون الإعلام الخاص ممسوكا بشبكة مصالح ترعاها الحكومة.

بدأ ناشطون ومتظاهرون حملات واسعة في تركيا لمعاقبة وسائل الإعلام لتخاذلها ودعوا لمقاطعتها، متولين بأنفسهم نقل أحداث حراكهم بعد أن شعروا بأن الإعلام التقليدي قد خان قضيتهم.

فرح بعض العرب بمظاهرات «تقسيم» باعتبارها أول دبلجة تركية لمسلسل عربي.. لنأمل ألا تكون الدبلجة دقيقة حتى لا يغرق الأتراك في الوحول التي علقنا نحن فيها.

diana@ asharqalawsat.com