هل تعني قضية تسجيلات «فيريزون» نهاية الخصوصية؟

TT

يوما ما ستنظر فتاة صغيرة في عيني والدها وتسأله: «أبي، ما الذي تعنيه كلمة (خصوصية)؟».

ربما لا يستطيع الوالد الرد، وأخشى أن نكون قد نسينا بالفعل أنه كان هناك وقت لم تكن فيه مكالمات المواطن هدفا لشخص آخر. وقت كان الناس فيه يصابون بالصدمة ويعتريهم الغضب عندما يعلمون أن الحكومة كانت تجمع معلومات مفصلة عن المكالمات الخاصة التي أجراها أو تلقاها ملايين الأميركيين.

نشرت صحيفة «الغارديان» يوم الخميس خبرا تقول فيه إن الحكومة الأميركية تجمع مثل هذه المعلومات عن عملاء شركة «فيريزون»، أضخم مزود لخدمات الهواتف والإنترنت للشركات. رد الفعل الغريب مع المسؤولين المطلعين على الأمر يشير إلى أن الحكومة تجمع معلومات مشابهة عن أميركيين عملاء لشبكات الهواتف الأخرى.

تمكنت «الغارديان» من نيل هذا السبق الصحافي عندما حصلت على أمر سري أصدره القاضي روجر فينسون بمحكمة مراقبة المخابرات الخارجية، ونظرا لمعرفتنا المحدودة بشأن الأحكام والدعاوى القضائية لهذه المحكمة السرية، فمن الصعب أن نضع حكم «فيريزون» في سياقه الصحيح. فالتعليمات التي أرسلت إلى «فيريزون» بشأن نوعية المعلومات التي ينبغي عليها تقديمها لم تستغرق سوى فقرة واحدة دون تقديم مزيد من التفاصيل أو الإيضاح. وتشير نبرة القرار إلى وجود اتصال بين الحزبين اللذين يعلمان الأمر.

وبالفعل قالت رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ديان فينستين (الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا): «إن الأمر الذي حصلت عليه (الغارديان) ليس سوى تجديد يتم كل ثلاثة أشهر لأمر كان ساريا منذ سبع سنوات». وأكد ذلك السيناتور ساكسبي تشامبليس (الجمهوري عن ولاية جورجيا) عضو لجنة الاستخبارات: «كان القرار معمولا به منذ سبع سنوات. وبحسب علمي لم يسجل أي مواطن شكاوى ضد ذلك». ولم يشرح تشامبليس كيف يمكن لأي مواطن التقدم بشكوى ضد برنامج كان سريا طوال كل هذه الفترة.

تأتي سلطة جمع بيانات المكالمات الهاتفية من قانون باتريوت إجراء مكافحة الإرهاب الذي اتخذ في عهد إدارة الرئيس بوش والذي أثار إعجاب إدارة الرئيس أوباما. ويجبر قرار المحكمة شركة «فيريزون» على تقديم معلومات يومية وبشكل متواصل حول تفاصيل البيانات الوصفية لكل المكالمات التي تتم عبر الشركة، سواء أكانت بين الولايات المتحدة والخارج، أو أنها دارت بالكامل داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك الاتصالات الهاتفية المحلية.

تضم البيانات الوصفية أرقام هواتف كلا الطرفين وموقعهما وتوقيت وطول المكالمة وأي معلومات تعريفية أخرى.

وقال مسؤول بارز في الإدارة لم يكشف عن اسمه في بيان إلى وسائل الإعلام إن «المعلومات التي تم الحصول عليها ليس من بينها محتوى أي اتصال أو اسم أي مشترك».

لكن إذا قررت حاسبات وكالة الأمن القومي أن هناك شكوكا حول الاتصالات الهاتفية من وإلى رقم معين يستحق مزيدا من التحقيق، فكم نانو ثانية ستستغرقها الوكالة لمعرفة اسم صاحب رقم الهاتف؟ وإذا كان الرقم لهاتف جوال، فالبيانات الوصفية التي قدمتها شركة الهاتف ستتضمن موقع أبراج الهواتف الجوالة التي تنقل اتصالات العميل، ومن ثم تقديم سجل بتحركات العميل.

وقالت إدارة أوباما في بيان لها: «إن المعلومات من النوع الذي تحدث عنه مقال (الغارديان) كانت أداة حاسمة في حماية الأمة من التهديدات الإرهابية للولايات المتحدة، حيث سمحت لعملاء مكافحة الإرهاب باكتشاف ما إذا كان الإرهابيون المعروفون أو المشتبه بهم يتصلون بأشخاص آخرين ربما يكونون ضالعين في أنشطة إرهابية، وخاصة الأفراد الموجودين داخل الولايات المتحدة».

وصفت فينستين البرنامج بـ«الشرعي»، مؤكدة على فاعليته، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه متسق مع القيم التقليدية.

لقد تحول الاعتقاد بأن اتصالات الأفراد وتحركاتهم التي تلتزم القانون ليست من شأن الحكومة إلى مجرد ذكريات من عصر سابق. فكاميرات المراقبة تشاهدنا ونحن نسير في الشارع وتلتقط صور لوحات أرقام السيارات أثناء قيادتنا على الطرق، ونترك مسارا إلكترونيا عندما نستخدم بطاقات الـ«إيه تي إم». ومن ثم صارت حياتنا مسجلة بصورة كانت مستحيلة في السابق، والتاريخ يؤكد على أنه لن تكون هناك عودة إلى الخلف.

لكن نتيجة لهذا الزخم التكنولوجي، ينبغي علينا أن نكافح من أجل الإبقاء على أشلاء من الخصوصية التي لا تزال قائمة؛ فإذا كان جمع بيانات المكالمات الهاتفية غير ضار وروتيني، فلماذا يكون قرار محكمة المراقبة سريا؟ لماذا لا نستطيع أن نعلم المزيد بشأن هذا التطفل؟ وما الذي يخفيه مثل هذا القرار؟

ينبغي علينا أن نطرح هذه التساؤلات الآن، ونحن لا نزال نتذكر ماهية الخصوصية، أو ما كانت.

* خدمة «واشنطن بوست»