كلبتي حبيبتي التي عرفتني

TT

البعض منكم يعرفني؛ فلست ممن يؤمنون بالمعجزات والخوارق، فزمانهما ذهب وولى إلى غير رجعة، بعد أن انتهى عهد الرسل صلوات الله عليهم، ولكنني قد أقف أمام (الصدف) حائرا، على الرغم من أنها قد تحصل (بواحد على المليون)، ومما قرأته وعشته حادثتان، وجدت أنه من اللائق أن أشرككم بسردهما أمامكم، خصوصا أنهما واقعتان حقيقيتان لا خياليتان.

جاء في الأولى أنه في سنة 1935 وصل طبيب كهل يدعى (ليتون) إلى بلدة صغيرة في (كولورادو) بأميركا ليستجمم ويستشفي من مرض حل به، واستقر في أحد منازل البلدة، ولشد ما كان ارتياحه حين غمرته إحدى جاراته بعطفها، وراحت تعنى بشؤونه حتى أحس من ناحيته بميل إليها خشي أن يكون حبا، وكان قد أقسم أن لا يسمح للحب بأن يغزو قلبه بعد مأساة حلت به في مقتبل شبابه؛ إذ فقد عروسه في شهر العسل، حين طغى البحر على البلدة التي تركها فيها، فأغرق منازلها، وأغرق معها عروسه.

وذات يوم، دعته جارته التي تعطف عليه إلى نزهة في سيارتها، فلبى دعوتها.. لكنه فيما يبدو كان يخشى أن يغلبه ميله إليها، ولكي يوقفها عند حدها ويحسسها أنه وفيّ لعروسه التي ماتت، وأنه لا يرضى عنها بديلا، أخذ يروي لها مأساته، وإذا السيدة توقف سيارتها بعد أن استمعت إلى قصته، ثم تلتفت إليه، فتتأمله طويلا، ثم تهتف باسمه: (جون).

لقد كانت هي العروس نفسها التي أيقن أنها ماتت منذ خمس وثلاثين سنة.. وقد كُتبت لها الحياة من حادث الغرق، وانتهى بها المطاف إلى هذه البلدة.

فتعانقا عناقا طويلا تخللته العبرات، ولم يردهما في اليوم الثاني غير (المأذون) ليبدآ حياة جديدة.

فهل صدق الشاعر عندما قال:

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما

يظنان كل الظن ألّا تلاقيا؟!

أعتقد أنه صادق، وقد حصل لي أنا شخصيا مثل هذا الموقف، مع الفارق، وذلك عندما فقدت في الطائف قبل ردح من الزمن (كلبة سلوقية)، كانت بالنسبة لي نعم الصديقة الأليفة الحنونة، غير أن كلاب الشوارع المتسلطة لم تتركنا في حالنا ننعم بصحبتنا، فأغرتها بطرقها الخاصة التي لا تمتّ للأخلاق بصلة، فتركتني مفضلة إياها عليّ، وبعد أن يئست من البحث عنها استسلمت واحتسبت وصبرت. وفي أحد الأيام استضافني بالصدفة أحد المعارف في مزرعته، بعد ثلاث سنوات من تلك الواقعة المؤلمة.

وما إن دخلت المزرعة، حتى وجدت كلبة (تشعبط) بثوبي وهي تهز لي ذيلها، وخلفها ثلاثة من الجراء، ولما أمعنت النظر إليها، فإذا بها كلبتي الحبيبة التي عرفتني قبل أن أعرفها.

لا أريد أن أحكي لكم ما حصل لي بعد ذلك من الموقف (الدرامي) الذي جعل عيني تدمع رغما عني، والشيء الذي أعطاني قليلا من العزاء، أن أحد الجراء الثلاثة كان يشبهني الخالق الناطق، ولا أستبعد أن أمه قد توحمت عليّ.

[email protected]