قطر.. ماذا حدث؟ (4) متحف الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني

TT

تعرضت طوال عملي الأثري لمفاجآت كثيرة كان آخرها زيارة متحف الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني بالسامرية بالقرب من الدوحة؛ فخلال الطريق إلى المتحف كان مرافقي الأستاذ طارق السيد يقص علي ما لديه من معلومات عن المكان الذي نتوجه لزيارته وذكر ضمن حديثه أن المتحف يعتبر من أهم المتاحف الخاصة المفتوحة للزيارة في العالم!! ولم أعلق على حديثه وانشغلت بالطريق وتأهلت نفسيا لزيارة ما تصورته متحفا صغيرا بناه جامع تحف محب للفنون الإسلامية والعربية. وبمجرد وصولي إلى المتحف توالت المفاجآت وكانت الأولى أن المتحف مبني على مساحة شاسعة من الأرض ووفرت له كل إمكانات المتاحف العالمية.. المفاجأة الثانية أن الشيخ فيصل - صاحب المتحف - استطاع على مدى أكثر من خمسين عاما أن يجمع تحفا إسلامية - عربية وغير عربية - رائعة ليس لبعضها مثيل بالمتاحف العالمية وقد جمعها من كل بلدان العالم. وأخيرا كانت المفاجأة الثالثة؛ فبمجرد انتهاء زيارتي للقاعة الأولى بالمتحف وجدت نفسي أقف أمام رجل غاية في التواضع والبشاشة وهو الشيخ فيصل الذي بنى المتحف وقد جاب العالم كله بحثا عن هذا التراث ليجمعه في مكان واحد.

وأخذ يحكي لي قصة كل قطعة معروضة.. أين وجدها؟.. وكيف كانت معروضة أو مستخدمة؟ وكيف اقتناها؟ هو يذكر كل ما يخص معروضات المتحف من حكايات وأسرار، وتجد داخله العشق للتراث والتاريخ الذي ورثه عن أبيه.

استطاع الشيخ فيصل أن يحقق حلمه بأن يجعل من المتحف منزلا للفنون الإسلامية والعربية يحتوي على مجموعات نادرة من آثار الجزيرة العربية معروضة بأسلوب عرض متحفي متناغم مع عمارة المتحف والبيئة المحيطة به، وأذكر ما قاله الشيخ قاسم من أن سعادته الحقيقية هي عندما يجد الناس تأتي لزيارة المتحف والتعرف على تاريخهم وحضارتهم.. والرجل محق في ذلك فنحن أحوج الناس إلى معرفة أصولنا لكي نبني ونتقارب لا أن نهدم ونتباعد.

وبقدر انبهاري بالتحف الفنية المعروضة كان إعجابي أيضا بعمارة المتحف التي روعي فيها التناسق مع البيئة وكذلك البساطة في التفاصيل لكي لا تنشغل العين بها عن رؤية التحف المعروضة، وفي نفس الوقت تعكس بعض خصائص العمارة القطرية القديمة.

يحتوي المتحف على أنواع الفنون الإسلامية المختلفة من عملات ذهبية تؤرخ للإسلام من بدايته، ومعادن ومخطوطات إسلامية، وسجاد من بلاد العالم الإسلامي؛ منها سجادة ذات نقوش على الوجهين لم أر لها مثيلا من قبل، وحجرات لطرز الملابس وصناعة النسيج، وأخرى لتاريخ الأديان من عصر ما قبل الإسلام، وعرض للأديان السماوية وكذلك الأديان الأخرى، وكذلك عرض للتراث القطري، يعكس الحياة اليومية للبيت القطري وما به من فنون وصناعات.

أعتقد أن دارسي الفنون الإسلامية يجب أن يزوروا هذا المتحف وأنا على ثقة أنهم سيجدون مادة علمية خصبة لأبحاثهم ورسائلهم العلمية. وهناك ضرورة لخروج معارض من هذا المتحف لتطوف بالمتاحف العالمية بأوروبا وأميركا لكي يعرف الناس قصة هذا المتحف وقصة إنسان عربي أصيل، عاشق لحضارته وتراثه وهو الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني.