إنك لا تهدي من أحببت

TT

السياحة أصبحت صناعة وفنا واقتصادا، وبعض الدول والشعوب لا تعتاش إلا عليها، وكلامي هذا ليس بجديد فهو تحصيل حاصل.

وبعض الدول لها آذان جميلة ولا أقول طويلة، ولكنها عجزت عن أن تجد لآذانها تلك حلقا مناسبا تزينها به، كمصر مثلا التي ربي أعطاها الموقع الاستراتيجي والشمس والشواطئ المترامية الطويلة والآثار الفرعونية والقبطية والإسلامية، التي تشكل بمجملها ما لا يقل 60 في المائة من آثار العالم كله، ومع ذلك ما زالت تسير كما تسير السلحفاة (المحنطة).

إنني بكلامي هذا لا أنتقد، بقدر ما أنا حزين وأردد بيني وبين نفسي بيت شعر المتنبي القائل:

ولم أر في عيوب الناس عيبا

كنقص القادرين على التمام

ولا أبالغ إذا أكدت أن مصر لو أنها أفاقت وانتبهت إلى حالها وحسنت من فكرها وفلسفتها، لكان دخلها من السياحة فقط ما يغنيها عن كل ما سواها، بل إنني لا أبالغ إذا قلت: أين دخل البترول الناضب منها؟! والشيء المؤلم أكثر من الحزين أن بعض الجهال الممتطين صهوة الدين زورا وبهتانا هم الذين يضعون العصا في الدواليب، فهم بالفعل لا يرحمون ولا يتركون رحمة الله تنزل على شعبهم وبلادهم.

وبالمقابل هناك دول ليس لها آذان، فاختلقت لها آذانا صناعية وزينتها بأجمل الحلقات، وهناك مثل يقول: الشاطرة تغزل حتى ولو برجل حمار، وآسف على هذا المثل، ولكن ما باليد حيلة.

الأذكياء فقط هم الذين يوجدون من (اللاشيء) أشياء، وأستميحكم عذرا لو أنني ضربت لكم أمثالا مقرفة لبعض أساطين السياحة الذين حولوا حتى (الفسيخ) إلى شربات وذهب وعملة صعبة، وهم يضحكون على ذوق الآخرين.

تصوروا مثلا أنهم جعلوا حتى من (مجاري الصرف الصحي) في باريس محجة سياحية، يتقاطر على دهاليزها آلاف الزوار وقد وضعوا الكمامات على أفواههم، وهو المكان الوحيد الذي ترددت في دخوله.

وفي الهند حولوا (معابد الفئران) إلى مزارات، ومن أراد أن يدخلها فعليه أن يكون حافي القدمين، ويستحمل عضات آلاف الفئران التي تتراكض وتقفز على رأسه وكتفه، وهذا ما عرفته من أحد أصحابي.

وفي روسيا حولوا معتقلات وسجون سيبيريا إلى فنادق الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود؛ لأنهم يعاملون السائح فيها مثلما كان يعامل زبانية ستالين أي معتقل محكوم عليه بالسجن المؤبد والأشغال الشاقة، إلى درجة أنهم قد يسلطون عليه الكلاب الشرسة، وقد مكثت في إحدى الزنزانات يومين كأنها سنتين.

وفي ولاية (تكساس) بأميركا هناك متحف (للصراصير)، يقف على مدخله السياح بالطوابير، ليستعرضوا بعض المشاهير وقد حولوهم إلى صراصير، وأكثر ما أعجبتني هي صرصارة (مملوحة) تقمصت شخصية مارلين مونرو عندما كانت ترتدي المايوه البكيني، وتمضغ (العلكة).

لا أريد أن أزيد عليكم من الأمثال لأنني (أقرفتكم) بما فيه الكفاية، غير أنني، والله يعلم، أردت بذلك أن أبعث برسالة كلها شفقة وغيرة على بلادنا العربية التي فيها من الحضارة والجمال ما يفوق الوصف، ولكنها مع الأسف لا تنظر إلا إلى ما تحت قدميها، هذا إذا نظرت (!!).

وصدق الله العظيم عندما قال: «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء».

[email protected]