«غيزي بارك».. هل هي مؤامرة خارجية حقا؟

TT

يحاول رجب طيب أردوغان، الذي وسع رقعة دائرة الاتهامات في أحداث «تقسيم»، إقناع مناصريه بالبعد الخارجي للمؤامرة هذه المرة.

في رسائله أمام مليونية إسطنبول ونصف مليونية أنقرة، اتهم أردوغان مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية الغربية بالتخطيط للتفجير في تركيا، بالتعاون والتنسيق مع أدوات محلية لإسقاط حكومة «العدالة والتنمية» وإبعادها عن السلطة. «تفاهمنا على الحلول ووعدونا بإخلاء (تقسيم)، ففوجئنا بالمماطلة والضغوط الخارجية عليهم للبقاء في الميدان. الدولة ليست ألعوبة بيدهم، وهي قادرة على حماية مصالحها».

أردوغان وصل إلى قناعة بأن المستهدف هو الصعود التركي، وأن مشاريع شهر مايو (أيار) الماضي وحدها كانت كافية لإغاظة البعض في الخارج وإقلاقهم ودفعهم للتوحد ضد تركيا ومصالحها:

مطار إسطنبول الثالث الدولي بتكلفة 46 مليار دولار،

عقود إنشاء مركز طاقة نووي ثالث بقيمة 22 مليار دولار،

جسر ثالث معلق سيكون الأضخم في العالم بمبلغ 2.5 مليار دولار،

رفع أرقام البورصة إلى أعلى مستوياتها 93 نقطة،

135 مليار دولار فائض المصرف المركزي،

تسديد ديون البنك الدولي ورفض توقيع عقود جديدة بصفة دائن معه بل مدين،

إنهاء إراقة الدماء في جنوب شرقي تركيا وإطلاق مسار جديد في التعامل مع المسألة الكردية،

مؤسسات اقتصادية وتجارية عالمية ترفع مستوى ودرجات تركيا التصنيفية.

أردوغان فجر غضبه في وجه أهم المؤسسات الإعلامية الغربية ودعاها لنقل وقائع مهرجان إسطنبول ولو لدقائق فقط، وهي التي نقلت مباشرة على الهواء، ولساعات طويلة، أحداث «غيزي بارك» وتفاصيل المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين.

أردوغان أغضبه «تسرع» برلمان الاتحاد الأوروبي في انتقاد أسلوب حكومته بميدان تقسيم واتهمه بازدواجية المعايير. يهاجم أنقرة الدولة التي ليست عضوا في الاتحاد بعد ويتجاهل كل أحداث اليونان وإنجلترا وألمانيا ومواقف المجموعة الأوروبية في غزة ولبنان.

لكن الاتهامات المباشرة والأقوى جاءت على لسان رئيس بلدية أنقرة، مليح غوكشاك، الذي قال إن خسائر العاصمة التركية وحدها بسبب الأحداث تجاوزت 15 تريليون ليرة تركية حتى الآن، واتهم الكثير من الشخصيات العالمية، وعلى رأسها جورج سوروس ومؤسساته، بالتنسيق مع أهم مراكز القرار في العواصم الغربية للتخطيط والتمويل والإشراف على التحريض ضد تركيا. لكن مفاجأة غوكشاك كانت دعوته السلطات القضائية إلى التحرك للتدقيق في دور حزب «الشعب الجمهوري» الأتاتوركي العلماني المعارض ورئيسه وبعض نوابه في دعم وتنفيذ هذا المخطط، وضرورة حظره في حال ثبت تورطه في التآمر على تركيا. «ما العلاقة بين حماية الأشجار في أحد المتنزهات وإضرام النار في عشرات سيارات النقل العام ومهاجمة المتاجر والمباني الحكومية؟ ومن الذي مول جلوس أحد عازفي البيانو الغربيين في قلب الميدان لأيام والذي جاء يعلن تضامنه مع المتظاهرين؟».

الإعلام التركي بدأ ينقل وقائع وأحداث وتفاصيل في هذا الاتجاه حول لقاءات عقدت في عواصم غربية كثيرة ويردد أسماء شخصيات أميركية معروفة، يتقدمها رامسفيلد وولفويتز وريتشارد بيرل الذين رأيناهم يتحركون إبان الحرب الأميركية على العراق عام 2003. حادثة قطع الحوار مع إبراهيم قالن، كبير مستشاري أردوغان، قبل أيام بشكل مفاجئ، وهو يشرح للإعلامية المعروفة العاملة في الـ«سي إن إن» أمانبور زوجة أحد كبار مستشاري الخارجية الأميركية والمقرب من أهم مؤسسات اللوبي الإسرائيلي هناك، وهو يروي كيف أن من هاجموا مبنى السفارة الأميركية قبل أشهر وصفوا بالإرهابيين وقتها، لكنهم هذه المرة في ميدان تقسيم يتحولون في الإعلام الغربي إلى مناضلين مدافعين عن الحرية - ما زالت تتفاعل في تركيا.

حكومة «العدالة والتنمية» التي لم تتراجع في مسألة استخدام الغاز المسيل للدموع واستخدام القوة من قبل رجال الأمن، صنفت الموجودين في الساحات إلى 3 مجموعات: فئة قليلة جدا تتحرك حقا لحماية البيئة والطبيعة، وفئة ثانية تتحرك للتحريض والتدمير، وفئة ثالثة تريد الاستفادة من كل ما يجري للجلوس على مقعد رجب طيب أردوغان بالمجان. وأردوغان أعطى قراره النهائي، على ما يبدو، بخوض مواجهة «عليّ وعلى أعدائي» حتى ولو كان الثمن تأجيل مشروع النظام الرئاسي ووصوله إلى قصر الرئاسة في «شنقايا».

المواجهة دائما لها علاقة بسياسة أردوغان السورية واقتراب موعد دفع الثمن في «انتفاضة تقسيم» وضرورة ترجل الفارس، لكن أردوغان وحزبه يقولان إن انتخابات ما بعد أشهر ستكون فرصة أخرى لزيادة عدد الأصوات وتلقين البعض في الداخل والخارج الدرس في محاولة التلاعب بتركيا واستقرارها.