شطة

TT

عائد بالسيارة من الإسكندرية. شاب يقف عند محطة الرسوم ومعه أكياس رقائق بطاطس يوزعها مجانا على راكبي السيارات، كجزء من حملة الدعاية لشركته، أعطانا كيسين. رقائق البطاطس بضاعة رائجة هذه الأيام، في كل أسبوع يظهر نوع جديد، على الفور قذف كل من كان معي بقطعة في فمه، ما ألذ رقائق البطاطس المجانية، وفجأة صحنا جميع: حااااه... شطة.

لم تكن بطاطس بالشطة، بل كانت شطة بالبطاطس. تصورت في البداية أني وجماعتي لسنا مدربين على أكل الـ«شيبسي»، ولكن في البيت تناولت ابنتي، وهي مدمنة «شيبسي»، قطعة، صاحت بعدها: إيه ده يا بابا؟ دي شطة.

انشغلت بالتفكير في آليات التفكير عند صاحب هذا المشروع الذي أنفق عليه ملايين الجنيهات، والمهددة الآن بالضياع، نتيجة لكمية الشطة التي أضافها على البطاطس، والتي ستمنع قطعا كل من ذاقها من الاقتراب منها مرة أخرى. هل اعتمد على ذوقه الخاص في مشروعه؟ أعرف بالطبع أناسا يحبون الشطة مضافة حتى على الآيس كريم، ولكن هؤلاء لا يُقاس عليهم في المشاريع التجارية، في السياسة والأكل أنت تعطي للمستهلك ما يمتعه، وليس ما يمتعك. لنفرض أن الشطة لها طعم العسل في فم المسؤول عن إنتاج الشركة؛ فماذا عن العاملين معه؟ التفسير الوحيد لخروج هذه السلعة إلى الأسواق هو أن العاملين معه عندما سألهم: إيه رأيكم؟ كانت إجاباتهم: لم يعرف التاريخ من قبل «شيبسي» بهذه المواصفات، لم يحدث أن عرف سكان المنطقة بطاطس بهذا الطعم اللذيذ.

إجابة أخرى: إن قدر «الشطشطة» في هذه البطاطس يغطي احتياجا حقيقيا عند سكان الشرق الأوسط، ويفتح الباب واسعا لتصديرها لشعوب أخرى كافحت لآلاف السنين للوصول إلى هذا الطعم اللذيذ.

إجابة أخرى: الآن فقط أنا أشعر بالخوف من أن يسرق أحد سر هذه الخلطة التي تمثل أعلى درجات «الطعامة».. لذلك أرجو إعادة النظر في النظام الأمني بالشركة. لا بد أنهم قالوا جميعا كلمات من هذا النوع، لا أحد فتح الله عليه بكلمة واحدة، هي: دي شطة.. مين حياكلها دي؟

ترى ماذا سيقولون عندما يتبين لهم أن مبيعاتهم تشكل صفرا كبيرا في الأسواق، هناك دائما ما يقال في حالات الفشل العظيم، على الأقل هناك الإمبريالية العالمية التي تعمل على حرمان المصريين من الإحساس بطعم الشطة اللذيذ؛ تلك الشطة التي تدفع المواطن إلى مواجهة التحديات.

لا أحد سيكون سببا في فشلك، أنت تفشل فقط عندما تريد أن تفشل. إنها عبقرية غريزة تدمير الذات التي تزين لك أن تضع أكبر كمية من الشطة على إنتاجك، وربما على كل أفعالك، ولا تكتفي بذلك، بل تنتابك الدهشة، وربما الصدمة، عندما ترفض الناس في إصرار ما تبيعه لهم. أنت تفشل فقط عندما تريد أن تفرض على الناس ذوقك الخاص المضاد لأذواقهم. لست أتكلم في السياسة.. عن البطاطس أتكلم.