روحاني يصلح ما أفسد الدهر الإيراني؟

TT

الذين تنفسوا الصعداء في طهران وخارجها مع وصول حسن روحاني إلى الرئاسة، سيكتشفون أن النوافذ لم تفتح، وإن كانت قد عبرت ريح هادئة إلى رئاسة الجمهورية أو المركز الثاني في البلاد الذي يستظل إرادة المرشد علي خامنئي وينفذ قراراته.

والذين حسبوا أن روحاني حقق انتصارا باهرا على المحافظين، يجب أن يتذكروا كيف استبعد مجلس صيانة الدستور هاشمي رفسنجاني من الانتخابات وفي أي إطار تنافسي جرت، لكي يدركوا أن خامنئي هو الذي يقف وراء ما جرى، وأن رفع رايات الاعتدال لا يعني تغييرا، ولو بسيطا، في الاستراتيجيات أو القواعد الصارمة التي يطبقها النظام.

هل يمكن القول، إذن، إن النظام سمح بأن يواري الإيرانيون رئيسا سيئا هو محمود أحمدي نجاد، راكم المشاكل والأزمات على امتداد ثمانية أعوام، لينتخبوا رئيسا ينادي بالاعتدال، والاعتدال هنا لا يعني بالضرورة تغييرا في القواعد، فلماذا لا يكون خامنئي قد أتى بمحام جيد يحاول التخفيف من الأضرار التي خلفها محام سيئ، أوليس هذا من مصلحة النظام داخليا وخارجيا؟

لو كان حسن روحاني يحمل رؤية محمد خاتمي ودهاء رفسنجاني، لكان مجلس صيانة الدستور قطع عليه الطريق منذ البداية، أو لكان خامنئي منع تشتيت أصوات المحافظين بدفع قاليباف وسعيد جليلي ومحسن رضائي إلى الانسحاب لمصلحة علي أكبر ولايتي أو بالعكس، وخصوصا بعدما انسحب غلام عادل علي حداد لمصلحة روحاني، لكن المؤشرات توحي بأن المرشد أراد إعطاء النظام المحاصر بأزمة اقتصادية معيشية خانقة ضاعفت من الاحتقان في الشارع الإيراني الذي يغلي بالمشاعر الخضراء المقموعة، فرصة لامتصاص الغضب عبر فتح نوافذ تغير في الأساليب عبر رجل يعرف كيف يصون القواعد، ثم إنه أراد إعطاء علاقات إيران الخارجية صورة جديدة في المسألة النووية، كما في العلاقات مع الإقليم، وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي التي طالما شكت من التدخلات والعمليات التخريبية الإيرانية.

في هذا السياق، يبدو روحاني رجل المرحلة المثالي، فهو من رجال الثورة ويقف تحت عباءة النظام وكان مستشارا لخامنئي، ثم إنه يملك خطابا مريحا في الداخل، ويعد بالاعتدال في وجه الصارخين «أن محاسبة التيار الأصولي أكثر ضرورة من الخبز»، كما أنه يقول للخارج: «على إيران التعبير عن مواقفها وسياساتها بطريقة أكثر ترابطا وإدراكا»، مما يشكل تقريعا لأسلوب أحمدي نجاد الانفعالي وقليل الإدراك!

صحيح أن روحاني رجل الدين الدبلوماسي، وكبير المفاوضين نوويا في عهد خاتمي، الذي يتقن العربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية والروسية، ألقى كثيرا من الوعود الزهرية قبل فوزه، (راجع حديثه مع «الشرق الأوسط»)، لكن الذين يتذكرون ركام المشاكل التي افتعلتها إيران في الأعوام الثمانية الماضية، والتي لم تكن لتحصل بالطبع من دون موافقة خامنئي و«الباسيج»، يقولون بلا تردد إن روحاني لن يتمكن من إصلاح ما أفسد الدهر، لأن الاعتدال الذي يعد به يحتاج إلى تغيير جذري يتجاوز القواعد التي يطبقها النظام إلى الثقافة السياسية عند الذين يديرون الأمور في النهاية.

وهكذا، عندما يتعهد مثلا باستعادة العلاقة المقطوعة مع أميركا منذ عام 1979، ربما ينسى ما عليه أن يغيره، ولو شكلا، في خطاب طهران باعتبار أن شهر العسل مع «الشيطان الأكبر» لم ينقطع يوما وراء الجدران. لكن امتحان روحاني الأصعب سيكون في إعادة ترتيب العلاقات مع دول الخليج، وخصوصا مع المملكة العربية السعودية بعدما تمادت طهران في سياسات الاعتداء والتخريب، ولعل ما يصعّب الأمر أكثر انزلاقها مع أذرعها العسكرية، اللبنانية والعراقية، إلى الحرب في سوريا دعما لنظام بشار الأسد الذي يقتل الشعب السوري.

وعندما يقول روحاني إنه لا يعتزم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وإنه يعطي تحسين العلاقات مع الجيران أولوية قصوى، وإن في وسع إيران والسعودية أن تلعبا دورا إيجابيا في التعامل مع القضايا الإقليمية الرئيسة مثل الأمن في منطقة الخليج، مستعيدا وقائع التفاهم الذي أرساه الاتفاق الذي وقعه في منتصف التسعينات مع وزير الداخلية الراحل المرحوم الأمير نايف بن عبد العزيز وأوقف التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، ربما عليه أن يتذكر مدى قدرته على ضبط تصرفات النظام الذي يتصرف لفرض نفسه قوة محورية في الإقليم عبر التخريب في دول المنطقة.

روحاني لن يصلح ما أفسد الدهر الإيراني، والدليل أنه دعا الجميع عشية الانتخابات إلى بذل جهودهم لوضع حد للحرب السورية التي وصفها بالمهزلة، ثم دعا في أول مؤتمر صحافي إلى بقاء هذه المهزلة مطالبا ببقاء الأسد حتى سنة 2014!