«ماكو دم؟ ماكو مشانق؟»

TT

كان علي صالح السعدي أحد قادة الانقلاب الذي قام به بعثيو العراق في فبراير (شباط) 1963. وقد اشتهرت عنه برقية إلى حكومته إثر حركة تمرد قال فيها: «اسحقوهم حتى العظم». وفي مذكرات العماد مصطفى طلاس وبعض الحزبيين أنه عندما جاء السعدي إلى دمشق قال وهو ينزل سلم الطائرة: «ماكو دم؟ ماكو مشانق؟». وفي رواية أخرى أنه ذهب لزيارة إحدى الثكنات، وعند مدخلها رفع ثوبه قليلا وقال: «أين الدم؟».

عرفت السعدي في باريس بعد ذلك بسنوات، رجلا وحيدا في مقهى «السان ميشال»، يأتي تقريبا كل يوم، وألتقيه مع صديقي يوسف الجباعي الذي كان على ما يبدو بعثيا هو أيضا. لم يكن قد بقي شيء من التعابير القاسية التي نسبت إليه. وكان ربما فقد الكثير من الأمل في العودة إلى الحزب أو السياسة أو العراق. بل لعله، وهو يعيش في مدينة هانئة مثل باريس ويحن إلى أبنائه وعائلته، لعله كان يشعر بالندم على الصورة الماضية.

يقول الدكتور حنا بطاطو، الأستاذ في جامعة بيروت الأميركية وأحد أبرز مؤرخي العراق، إنه عندما وصل البعثيون إلى السلطة في العراق كان معظمهم دون الثلاثين من العمر، بلا أي خبرة سياسية أو حتى آيديولوجية. وينسب إلى السعدي قوله إن الحزب كان يفتقر إلى مفكرين يعرفون شيئا عن الاشتراكية التي يرفع الحزب شعارها.

يقول الحزبي القديم الراحل نبيل الشويري في «سوريا وحطام المراكب المبعثرة» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) إن صدام حسين اختطف الحزب تماما، وقضى على مؤسسه في العراق فؤاد الركابي، واستعان برجال لا يعرفهم أحد. كما يدافع عن علي صالح السعدي، ويقول إنه ظلم حيا وميتا.

وقد أثارت فضولي وانتباهي في هذا الأمر المذكرات التي وضعها عن بعثيي العراق السفير جهاد كرم، الذي لم يعرف عنه نقد أحد. فقد عثر على كلام حسن يقوله في جميع رفاقه السابقين، وربما كان السعدي هو الرفيق الوحيد الذي حجب عنه التعاطف الذي شمل به الآخرين، بمن فيهم ذوو سمعة العنف.

كنت أتمنى أن أستمر أكثر في هذه المراجع لمرحلة البعث في العالم العربي، لكنها مرحلة لم أعرفها إلا كمراقب، ما بين مقاهي بيروت وباريس. والمراجع حادة ومتناقضة، حتى في رواية تأسيس الحزب ودور الرجال المؤسسين. لكن الخلاصة هي كما اختصرت في مذكرات نبيل الشويري: حطام مراكب مبعثرة.