خفض الإنفاق الحكومي وآلامه

TT

بالنسبة إلى الأشخاص القلقين مثلي من تدهور حال الولايات المتحدة، من المهم دراسة التأثيرات الخفية، كبيرة كانت أو صغيرة، لخطة خفض الإنفاق الحكومي على الجيش والهيئات الأخرى.

ما يحدث هو إنهاء بطء الخطى لبرامج وتقويض لاستعداد القوات من شأنه أن يثير الفزع في نفوس أكثر المواطنين. وكان خفض الإنفاق، لو تتذكر معي، نهجا قاسيا لخفض عجز الموازنة بلغت عواقبه من السلبية والضرر مبلغا دفع الكونغرس إلى الخروج ببديل أكثر عقلانية. وعوضا عن هذا النهج اختار الكونغرس طريقا يلقى مقاومة أقل، وهو عدم القيام بأي شيء، وبالتالي خفض الإنفاق بشكل تلقائي طبقا لقانون السيطرة على عجز الموازنة لعام 2011 في مارس (آذار).

ربما يخبرنا التفكير السليم حاليا بأن خفض الإنفاق ليس بالسوء الذي توقعه الناس، وأن إدارة أوباما أطلقت نداء استغاثة دون أي داع لذلك، لكن مع الأسف كان الذئب الذي يستغيثون منه موجودا بالفعل وهو يأكل المحصول المخزن بعيدا عن الأنظار في مستودع الغلال بعيدا عن الطعام الذي يوجد على المائدة. ويشعر مسؤولون في هيئات وأجهزة مختلفة بأن هناك أشياء معرضة للخطر. فلنبدأ بالتأثير على الجيش، وذلك ليس لأن البنتاغون يستحق هذه الميزانية الخاصة، لكن لأن العواقب واضحة.

ولتبسيط الأمر يمكن القول إن هذا الخفض في الإنفاق يبقي على الأمور التي تحظى بشعبية سياسية مثل رواتب الجنود ومزايا المحاربين القدامى والقواعد العسكرية وما إلى ذلك، ويستهدف خفض الإنفاق أمورا مثل التدريب الذي لا يعيره السياسيون اهتماما كبيرا. وتكون النتيجة أداء متدهورا بعد بضع سنوات من الآن.

ومنعت القوات الجوية تحرك 13 سرب طائرات مقاتلة، أي 250 طائرة، وهو ثلث العدد الإجمالي تقريبا. ولا يكمن الخطر في عجزنا عن الدفاع عن أنفسنا أمام أي هجوم أجنبي، بل فقدان الطيارين الذين لا يعملون والميكانيكيين الذين لا يصلحون المحركات - مهاراتهم أو ربما تقديمهم للاستقالة والاتجاه للعمل في شركات الطيران التجارية. وسوف تلغي القوات الجوية التدريبات العسكرية المهمة التي يطلق عليها «العلم الأحمر» باقي أيام العام الحالي. وكذلك ستلغي الدورات التدريبية في كلية السلاح الجوي. ويقول متحدث باسم القوات الجوية: «لم نعد نتمتع بالقدرة على التعامل مع المواقف الطارئة كما كان الحال في الماضي».

ويخفض الجيش نفقات التدريب التي تزيد على المستوى الأساسي ومستوى الفصيلة بشكل حاد. وتم إغلاق كل مراكز التدريب القتالية المخصصة للألوية خلال باقي العام المالي الحالي باستثناء مركز واحد. وتم تعليق أعمال صيانة المحطات لباقي أيام العام المالي، ويعني هذا أن ستة فرق لن تجد المعدات الضرورية جاهزة للاستخدام. وسيقتطع الجيش 37 ألف ساعة من عدد ساعات الطيران في التدريب الجوي، وهو ما ينتج عنه عجز 500 طيار بحلول نهاية العام المالي الحالي. وقال اللواء راي أوديرنو، قائد القوات الأميركية، أمام الكونغرس في فبراير (شباط): «في حال حدوث أي موقف طارئ، ربما لن يكون لدينا الوقت الكافي لتفادي إرسال قوات إلى خط القتال وهم غير مستعدين».

ويذكر سلاح البحرية أنه بحلول نهاية العام المالي الحالي لن يصل ثلثا السفن والفرق الجوية غير المنتشرة إلى مستوى الاستعداد. وقام سلاح البحرية بتأجيل نشر الأساطيل المخطط لها، بما في ذلك نشر حاملة الطائرات «يو إس إس هاري ترومان» في الخليج العربي والفرقاطة «يو إس إس ثاتش» في جنوب الأطلسي.

وقال قائد العمليات البحرية، آدم جوناثان غرينيرت، أمام الكونغرس خلال شهر فبراير: «على المدى القريب لن نصبح قادرين على الرد بالطريقة التي تتوقعها منا الأمة التي تعتمد علينا».

كذلك التأثيرات على عالم الاستخبارات مرعبة؛ فقد تم تخفيض الإنفاق على العقود وأنظمة الجمع والتحليل. وربما يتم إلغاء بعض أنظمة الاستطلاع عبر القمر الصناعي. وقال المتحدث باسم مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، شون تيرنر: «نحن جميعا نخفض التغطية العالمية، وربما نخاطر بعدم التقاط المؤشرات المبكرة لأي تهديد».

فلننظر الآن إلى البرامج المدنية. مرة أخرى نجد أن التأثيرات خفية وبعيدة عن بؤرة الضوء، لكنها قد تضر بالصحة والتعليم والرفاهة في البلاد على المدى البعيد. علقت معاهد الصحة القومية أو أجلت منح 700 جائزة بحثية تساعد في تمويل الدراسات الخاصة بالأمراض، وهو ما من شأنه التأثير على ملايين الأميركيين. ومن المحتمل أن يتضرر 1.5 مليون ممن يتقدمون بطلبات للحصول على إعانة بطالة طارئة بحسب تقديرات وزارة العمل. وتذكر وزارة التعليم تقليص الأموال المخصصة للتعليم المتخصص بمقدار 600 مليون دولار تقريبا وتقليص أموال المساعدات المقدمة إلى الإدارات التعليمية منخفضة الدخل بمقدار 700 مليون دولار.

الأمر المحبط هو أن سبب كل هذا الخفض في الإنفاق هو رغبة الكونغرس في التهرب من اتخاذ قرارات تحقق إصلاحا ماليا حقيقيا وتضيف عائدات وتحد من التكاليف المرتفعة المستقبلية في قطاعي الرعاية الصحية والأمن الاجتماعي. ينبغي على الذين يتساءلون عن سبب تراجع أداء الحكومة الفيدرالية، التفكير في حال الوضع المالي لعائلاتهم وأعمالهم إذا كان هناك حاجة للحصول على موافقة الكونغرس.

* خدمة «واشنطن بوست»