في عالم الاقتصاد، هناك المتخصصون البارزون، وهناك الدخلاء عليه، هناك من لديه قيمة مضافة ورأي دقيق متمكّن، وهناك من له «نرجسية» هائلة لا تشبعها سوى هالة الأضواء والمؤتمرات والمنتديات والابتسامة الصفراء التي تصلح لإعلانات معجون الأسنان. وفي السعودية، البلد صاحب الاقتصاد العربي الأهم والأكبر، برزت أسماء اقتصادية بالغة الأهمية نجحت في تقديم مجموعة من الآراء والأفكار بالغة الأهمية وذات القيمة المضافة، ومع مرور الوقت، أصبح بالإمكان تكوين «تخصصات» مستقلة لكل منهم، بحيث يمكن العودة لآرائهم في المجالات التي يتميزون فيها.
الدكتور إحسان بوحليقة اقتصادي منهم برز في الآراء ذات البعد الشمولي المتعلقة باقتصاديات وموازنات الدولة؛ فدوما ما كان يقدم آراء بارعة باحتراف. دكتور سعيد الشيخ بارع في تقديم الاقتصاد المصرفي، وشرح بتمكن واقتدار أدوار المؤسسات المالية في الاقتصاد واستفادتها وتأثرها بالسياسات النقدية. الدكتور محمد سالم الصبان اقتصادي بارع في مسألة مهمة، المتعلقة باستثمارات الدولة والصناديق السيادية، وكذلك اقتصاديات النفط والغاز، هذه أسماء مهمة جدا في الاقتصاد العربي الأقوى باتت تشكل ثقلا فكريا، وأستطيع القول بكل ثقة إنه بالإمكان ضم اسم آخر إليهم لا يقل أهمية، وهو عبد العزيز الحقباني، الذي بات واضحا أنه من أهم المتخصصين في الاقتصاد المستقبلي (Futurist Economist)، وهو علم مهم برز فيه أسماء مهمة مثل جون فايسبت، وآلفين توفلر، على سبيل المثال، ولقد أتممت للتو قراءة كتابه الموسوعي الهائل المكون من جزأين والمعنون بـ«السعودية 2075.. رؤية مستقبلية وخارطة طريق»، والكتاب الطموح جدا يحاول «قراءة» مستقبل الاقتصاد السعودي بكل تحدياته وفرصه وإمكاناته والمخاطر التي أمامه، والكتاب المهم هو الإصدار الثاني للكاتب، إذ سبقه كتاب آخر لا يقل أهمية أبدا، وكان بعنوان «صناعة التاريخ.. وثورة الطاقة البديلة»، وصرخ فيه محذرا ومناديا بضرورة الانتباه والاستفاقة لحجم الاستهلاك المحلي المتصاعد بجنون للطاقة والمخاطر والأضرار الاقتصادية لذلك الأمر مستقبلا، وأهمية وضع الحلول والعلاج لذلك الأمر فورا. والكتاب الجديد الذي يقع في 616 صفحة، والمليء بالإحصائيات والبيانات المهمة، يعتبر إنجازا أساسيا وقيمة مضافة لم تقدم مثله وزارة التخطيط والاقتصاد نفسها مع شديد الأسف.
ويتميز الكتاب بطرح محترم وصادق وشفاف يحترم عقل المتلقي، ولا يحاول مخاطبته بابتذال ولا بسذاجة واستخفاف، وتقديم بيانات يستحيل تصديقها. ويقدم الكتاب قراءات مستقبلية بالغة الأهمية والدلالة، ويحذر من اندثار صناعات وحضارات وقيام أخرى، ويبرز مجددا التغيرات الهائلة التي ستصيب قطاع الطاقة بشكل عام في العالم، وتداعيات ذلك على الاقتصاد المحلي. ويطرح الكتاب مجموعة غير بسيطة من الأسئلة، ويقدم عددا كبيرا من الفرضيات بصورة علمية محترمة، ويقدم حلولا ومقترحات للانتقال بالتدريج من فكرة الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الحر بشكل كامل. هذا الكتاب «المبهر» هو نتاج عقلية اقتصادية «حقيقية»، وليست عقلية اقتصادية «مسرحية» و«ترفيهية».
يستحق عبد العزيز الحقباني كل تحية واحترام على عمله الموسوعي الجبار الذي رسّخ به اسمه كواحد من الاقتصاديين المحترمين بحق في هذه البلاد. كل الشكر والاحترام له وأتمنى مِن كل مَن له اهتمام بالاقتصاد السعودي ومستقبله أن يقرأ الكتاب كاملا.