في السياسة والألم

TT

الطبيب ليس واقعا في خصومة مع المرض، هو فقط يريد اكتشافه. وعندما ينجح في ذلك يكتب بطاقة تعريف له، وهو ما نسميه الروشتة التي يمررها إلى الصيدلي لصرف الدواء. المهم أن نعرف أن الطبيب عند ممارسته لعمله لا يشعر تجاه المرض بالكراهية أو العداء، يعني لا يقول للميكروب المسبب للمرض: أيها الميكروب الوغد، سوف أسلط عليك مضادا حيويا فتاكا يذيقك الأهوال.

هذا هو ما نفعله بالضبط نحن أطباء الكلمات، نحن نحاول الوصول إلى الأمراض الكامنة داخل نفوس البشر، بغير أن نشعر تجاههم بالود أو البغض. وفي ذلك، نحن لا نكتب روشتات جديدة بعد أن ترك لنا أجدادنا آلافا منها تصف كل أمراض النفس. كل ما نفعله هو أن نمد أيدينا ونستخرجها من خزانة الخبرة البشرية. نتوقف اليوم عند أسوأ القرارات في التاريخ وهو تعيين أحد أعضاء الجماعة الإسلامية، محافظا لمدينة الأقصر السياحية، وهي نفس الجماعة التي قتلت أكثر من خمسين سائحا أوروبيا في أحد معابد الأقصر. وبدأت معركة الهجوم عليه، على الرجل وعلى القرار - والدفاع عنه، وكان منطق الدفاع أسوأ من القرار نفسه. وبعد أيام طويلة، قدم الرجل استقالته بعد ضغوط من حزبه.

لماذا يلجأ بعض الناس إلى اتخاذ قرار بصنع كارثة ثم لا يتخلون عنه فور معارضة الناس له. هنا، نجد التشخيص واضحا وجاهزا، إنه «أخذتهم العزة بالإثم». هناك بالفعل أشخاص يشعرون بالارتياح عندما ينجحون في إصابة الناس بأكبر قدر من الألم وخيبة الأمل. الحادث قديم (1997)، نسيته الناس كما ينسون الكوارث العامة بمرور السنين. غير أن القرار نجح في تذكير الدنيا كلها بتلك المذبحة. وهذا هو ما كان يريده بالضبط أصحاب القرار، أن يُشعروا أكبر عدد من خلق الله بالألم «هذا الرجل لم يشترك في المذبحة، ولكنه عضو الجماعة التي ارتكبتها وقد قمنا بتعيينه لإعادة تذكيركم بذلك الألم الذي شعرتم به في ذلك الوقت». هذا هو مصدر العزة بالإثم.

هنا، نتوقف لحظات للتعرف على الفرق بين كلمتين، العزة والاعتزاز، ربما تعتز بفكرة ما أو بصداقة ما أو بمشروع ما، ولكن العزة أمر مختلف؛ إذ هي ناتجة عن الإحساس بالقوة، أي إنك طبقا للتشخيص الجاهز، لديك تركيبة نفسية خاصة تشعرك بالقوة أكثر عندما ترتكب إثما. تشعرك بأنك أقوى بكثير من هؤلاء الضعفاء العاجزين عن ارتكاب الآثام، العاجزين عن ذبح الناس في معبد حتشبسوت.

لا يوجد كتالوغ جاهز نعرف منه تفاصيل ممارسة السياسة الرشيدة، توجد فقط النفوس الناضجة التي تكره الألم وتحاول قدر استطاعتها أن تبعده عن الناس. وهو - كما ترى - إحساس من المستحيل أن تتعلمه في الجامعات أو الجماعات والجمعيات، الباحثة عن الإحساس الزائف بقوة لا يجدونها إلا في قتل الناس أو تهديدهم بالقتل. هؤلاء الذين حولوا الحياة إلى معركة بغير أن يدركوا أنهم سيكونون أول المهزومين فيها.