الجزمة العسكرية

TT

غنت فيروز قديما أغنية للجيش اللبناني كان مطلعها «خبطة قدمكن ع الأرض هدارة».

إنه مطلع زجلي من لغة عامة يتناقلها الناس ويرددونها كلما ضربت في لبنان حرب أو معركة. استعيدت كثيرا في لبنان هذه الأغنية الأسبوع الماضي، حيث راجت في البلاد هتافات وشعارات وحلقات حوار داعمة للمؤسسة العسكرية، فطفا على المشهد الإعلامي خطاب دعائي استخدم فيه البعض علنا تعابير تتعلق بـ«الجزمة العسكرية» وتقدمها على أي معطى آخر، على ما قال فنان لبناني على إحدى القنوات.

طبعا كان المقصود في ذلك دعم الجيش اللبناني في المواجهة العسكرية التي خاضها ضد الشيخ أحمد الأسير ومجموعته المسلحة في صيدا. ومع علو نبرة الإعجاب والتماهي مع «الجزمة العسكرية» للجيش اللبناني ظهر فيديو يظهر مجموعة من عناصر الجيش مع قائدهم يتحلقون ويستجوبون موقوفا من مجموعة الأسير فيضحكون ويسخرون منه قبل أن ينهالوا عليه جميعهم ضربا بـ«جزمهم» العسكرية التي هدرت على ظهر الرجل المرمي على الأرض. أعقبت صور «الجزم العسكرية» الضاربة في ظهر الرجل صور جثة الشاب نادر البيومي الموقوف الذي قضى تحت التعذيب في وزارة الدفاع، على ما قالت عائلته، والذي بدت على جسمه آثار ضرب وتعذيب.

أول ما تولته مسألة ظهور الشريط والصور هو إجهاض المهمة التي كان الجيش اللبناني بصددها في صيدا والمتمثلة في القضاء على خارجين عن القانون قتلوا جنودا من الجيش، خصوصا مع الالتباس الكبير الذي رافق العملية العسكرية ودخول حزب الله عنصرا أساسيا فيها.

بالتأكيد، لا يساور أحدا في لبنان وهم أن المؤسسات الأمنية لا تمارس أساليب عنفية وترهيبية في الاعتقال والتحقيق. سبق أن مات موقوفون في سجون لبنان، والحكايات عن عنف التعامل قديمة، وهناك تقارير عديدة صادرة من مؤسسات حقوقية دولية تدين آليات التوقيف والتحقيق في لبنان. لكن ما حدث الأسبوع الماضي، وتحديدا الشريط الذي يظهر فيه الجنود يحققون ويدوسون موقوفا على الأرض، بدا مفصلا لم يسبق أن حدث. إنها المرة الأولى التي يظهر فيها في لبنان جنود يبتسمون ويصورون موقوفا ويشاركون في ضربه وتصويره في الوقت نفسه. حتما أن من سرب الشريط هو واحد من هؤلاء، وهم لم يكونوا في لحظة ارتجال بل كانوا يفعلون ذلك برضا واضح من الضابط المسؤول عنهم.

ذلك الشريط دفعنا إلى إجراء مقارنة سريعة ببدايات الثورة السورية والفيديوهات العديدة التي انتشرت لعمليات تعذيب وضرب وقتل يشارك فيها جنود وضباط وهم يضحكون ويصورون ثم ينشرونها لنشر الرعب في الناس. إنه تذكير بأن المؤسسة العسكرية وبعد الحرب اللبنانية جرت عملية إعادة بنائها في ظل سطوة النظام السوري وبإشرافه.

نعم الممارسات العنفية كانت موجود بالتأكيد قبل أحداث الأسبوع الماضي، لكن الجديد أننا اليوم شاهدنا هذه الممارسات وباتت موثقة، مما يعني أن الرقابة على أداء الأجهزة الأمنية صارت مسألة متقدمة وجزءا من آليات ضبط لا يمكن لمؤسسة عسكرية أن تتفادها، لكن البيان الذي أصدره الجيش والذي يدين بث صور تدين فرقا له في صيدا، لا يؤشر إلى أن هذه المؤسسة استوعبت درس الإعلام الجديد.

diana@ asharqalawsat.com