التنحي بعد ساعة

TT

مساء الاثنين قالت موفدة فضائية لبنانية إلى القاهرة من الاتحادية إن الرئيس محمد مرسي سوف يلقي كلمة إلى الشعب خلال ساعة، ربما يعلن فيها التنحي. ضحكت في نفسي لأن الزميلة الشابة ليست تجهل مصر فقط بل عادات العرب في كل مكان. الرئيس العربي «يُنتخب» ويظل مُنتخبا إلى الأبد، أحيانا حتى وفاته، وغالبا إلى ما بعدها. لماذا خُيل للمراسلة الشابة أن الرجل سوف يتنحّى؟ لأنها سمعت أصوات الملايين من حولها يهتفون «ارحل»، فظنت أن النداء وصل إلى أسماع مرسي أيضا. خطأ. الدكتور مرسي كان يسمع صوت أولاده وصوت القيادة وصوت نفسه: ابق. ابق، فلا مصر من دونك.

تذكرت المشاهد التي رأيناها في آخر أيام مبارك. الجماهير تحاصر القصر في الخارج، وهو في الداخل يستمع إلى جمال. وهو في الداخل لم يعين نائبا للرئيس بعد. وعندما فعل كان كل شيء قد انتهى، الرئيس والرئاسة ونيابة الرئاسة والنائب المعيَّن. يتكرر المشهد منسوخا. الرئيس فقد بسلوكه القوات المسلحة. ورفع عدد معارضيه من مليون إلى ملايين. والرجل الثاني بعده ليس عمر سليمان حامل أختام الحكم لبضع سنين بل الدكتور هشام قنديل، المصري الطيب الذي كلفه الدكتور مرسي العمل على حل مشكلة المياه والكهرباء والسولار! تكررت أيضا الاستقالات من حول الرئيس الذي، للمناسبة، سجل الرقم القياسي في هذا الباب والسرعة القياسية أيضا. ولست أعرف ما إذا كان مستشاره «لشؤون الديمقراطية». لا يزال بلا استقالة كما هو بلا عمل. زاد في القلق على مصر، تدخل، أو تبرع باراك أوباما. يلاحقنا الرئيس الأميركي بمجموعة من الألفاظ الأبوية التي أتقنها العرب أيما إتقان. ولا شك أن الكثيرين يضحكون عندما يسمعون رئيس أميركا يتحدث وكأنه يستعير من قعر سطل محشو بالبيانات العربية عن الوحدة والأخوة والصمود والتصدي، المعروفة بلقبها التحببي: صاد صاد.

السيد رئيس الولايات المتحدة الأميركية، من يجبرك على الكلام؟ من يطالبك بإبداء رأيك؟ لقد أثرت في الناس ذكريات قديمة. ذكَّرتهم على حين غرة أن البيت الأبيض ليس خاليا. ومؤكد أن الخارجية أيضا غير شاغرة لكنها خالية. فالمستر كيري يداوم عندنا وكأن عليه عينا في واشنطن يتوجس من البقاء فيها. أهلا وسهلا في أي حال. هذه المنطقة معتادة على رحلات أسلافك ومعتادة على النتائج أيضا. علمتنا الخارجية الأميركية أن نكون عمليين وألاَّ نتوقع شيئا. اسمع مني، السيد الوزير. وفر مصروف الوقود. اتبع رئيسك وأدر ظهرك لهذه المنطقة، ثم بين حين وآخر أصدر لنا بيانا مدروسا، احفظوا الهدوء، التزموا شارات السير، المرور على الأحمر ممنوع إلا لمن يشاء.

هل أنتم عاتبون؟ إذا لم تقرأوا أن المستر أوباما لم يضع كينيا على جولته الأفريقية. يفضل ألاَّ يرى الأوضاع في بلاد أبيه. يفضل ألاَّ يرى شيئا وألاَّ يسمع شيئا وأن يقول الباهت من أرشيف الكلام. يليق بك.