أردوغان أغضب مافيا المخدرات هذه المرة!

TT

التوتر الأخير الذي شهدته مدن وقرى جنوب شرقي تركيا المعروفة بغالبيتها الكردية، والذي سرعان ما انتقل إلى المدن الكبرى بسبب عمليات ترميم وتحديث بعض المخافر والمواقع العسكرية هناك، يتعارض كليا مع لغة الانفتاح والحوار والسلم، التي بدأتها حكومة رجب طيب أردوغان مع عبد الله أوجلان وأكراد البلاد، ويذكر بأجواء القمع والشدة كما يقول سكان المنطقة.

مواقف الحيرة والاستغراب سرعان ما تحولت إلى عبارات تنديد بسبب سقوط بعض القتلى والجرحى في المواجهات بين المواطنين ورجال الأمن. وهذا ما تسبب في ارتفاع الأصوات التي تحذر الحكومة من التفريط في فرصة حل أزمة الملف الكردي، وإفساح الطريق أمام محاولات إعادة تركيا إلى خط البداية في التعامل مع هذه القضية. مواقف وكتابات يومية دعتها لعدم السقوط في فخ التحريض والاستفزاز تماما كما حدث مؤخرا في قضاء «جيزرا» أكثر الأماكن سخونة، عندما ظهرت بعض المجموعات من الشباب ملثمة الوجوه وهي ترتدي قمصانا تحمل صور عبد الله أوجلان، للقيام بتدريبات واستعراضات ميدانية حول سبل توفير الأمن المحلي والتدقيق في هوية السيارات وتوقيف واعتقال الخارجين عن القانون. ما هي الأسباب الخلفية لهذا الانفجار الأمني الجديد في جنوب شرقي تركيا في اللحظة التي يتحدث فيها الجميع عن تقارير هيئة الحكماء الإيجابية التي استطلعت رأي الشارع التركي، وحملت أجواء الترحيب والتفاؤل باقتراب موعد حل هذه المشكلة المزمنة التي كلفت الجميع الثمن الباهظ؟

تصريحات رسمية وتقارير يومية في الإعلام التركي تقول إن السبب الحقيقي لما جرى مؤخرا هو قرار إعلان الحرب الأخير على تجار المخدرات وتضييق الخناق على مافيا زراعة الحشيش وإنتاجه في واحد من أهم مربعات الاتجار وأخطرها بهذه المواد في الشرق الأوسط. تقارير الخارجية الأميركية كانت السباقة في الحديث عن موقع منطقة جنوب شرقي تركيا ودورها في عمليات زرع وتصنيع والاتجار بالمخدرات، التي تصل أحيانا إلى مليارات الدولارات.

الهدنة المعلنة مع حزب العمال الكردستاني وقرار الحوار وحل المعضلة الكردية سلميا أعطت الحكومة فرصة التحرك ميدانيا في الأشهر الأخيرة لشن حرب واسعة ضد مافيا المخدرات المحلية المدعومة من المافيا العالمية، وبالتنسيق مع حزب العمال الذي يحصل على نسبة عالية من الأرباح تصل إلى 500 مليون دولار سنويا توفر له شراء ما يحتاجه من الأسلحة والذخائر، كما تقول تقارير المخابرات التركية والعالمية. العشائر وبعض الأسر هي التي أدارت العمليات لسنوات طويلة هناك، إلى أن دخل العمال الكردستاني على الخط في مطلع الثمانينات ليضع يده على الملف ويحرك الأمور بمعرفته، مستفيدا من شبكة علاقات وارتباطات واسعة أقامها في العواصم العربية والغربية. البعض راهن على استحالة اقتراب الدولة التركية من قضية تحرق الأصابع وهي منهمكة في قضية أخرى مرتبطة بها بشكل أو بآخر، لكن أردوغان غامر بشن الحرب مهما كانت كلفتها على بارونات الاتجار بهذه المواد.

تقارير أمنية تقول إن من أعطى الضوء الأخضر بتحريك السكان في المزارع والقرى والأقضية هم حلقات الوصل بين كبار التجار والمستثمرين وبين مجموعات محلية تضررت مصالحها مباشرة من السلم القائم في جنوب شرقي تركيا.

الطرق الرئيسة التي تربط جنوب تركيا بشمالها تشهد عمليات رصد وتوقيف أسبوعية، ومداهمات يومية، في مدن كبرى بينها إسطنبول وأنقرة ومرسين، وعشرات الأطنان وملايين الدولارات يخسرها المشرفون على هذه السوق التركية ببعدها الإقليمي والدولي. في عملية «ليجا» وحدها التي شارك فيها أكثر من 700 رجل أمن، ودعمتهم المروحيات، جرى محو أطنان من المواد المزروعة في 6 قرى قدر ثمنها بخمسين مليون دولار أميركي.

الأنباء الواردة من مدينة ديار بكر تقول إن مظاهرات تتحرك تحت يافطة «خطوة إلى الأمام أيتها الحكومة» في مسار الملف الكردي شهدت اشتباكات بين المتظاهرين ورجال الأمن، وإن التوتر في ذروته في مدن جنوب شرقي تركيا، وإن رسالة التأييد والتضامن التي وجهها بعض المحتجين من ميدان تقسيم إلى «ليجا» و«جيزرا» في حال وصولها قد تقود إلى جمع وتوحيد المحتجين في الشوارع، السيناريو الذي رسمه البعض منذ البداية لإسقاط أردوغان وحكومته التي تغامر بمنحهم هذه الفرص.

آخر استطلاعات الرأي التي نشرت تلتقي عند تراجع ملحوظ في أصوات العدالة والتنمية، لكنها لا تتحدث عن قدرة المعارضة ولو موحدة في استرداد دفة الحكم من أردوغان وحزبه. القيادات السياسية الكردية في تركيا أيضا عليها تحديد مواقفها وخياراتها في هذه المواجهة التي قد يكون ثمنها إعادة تركيا إلى ما قبل عام 2002، إلى حالة الفوضى والتفكك، الهدف الحقيقي الذي يسعى البعض في داخل تركيا وخارجها لتحقيقه.