مصر: السلطة الشعبية تستعيد قوتها مجددا

TT

كتب ناشط مصري يوم الأحد الماضي، عندما تجمع الملايين للإعراب عن رفضهم لحكم الرئيس محمد مرسي وحكومة الإخوان المسلمين التي يقودها: «مضى عهد الاستبداد باسم الدين».

فقد خرجت موجة جديدة من المعارضة الشعبية في الثالث من يوليو (تموز) في مصر وإيران وتركيا، أكبر ثلاث ديمقراطيات مسلمة في المنطقة. فلا يزال الاستبداد قائما بوضوح في الشرق الأوسط، لكنه يتعرض لضغوط من حركة واسعة مطالبة بالتغيير تتحدى الشعارات الدينية أو القومية.

قد تختلف وجوه وأساليب التظاهر خلال تجوالك في جميع أنحاء الخريطة، لكن الرسالة الأساسية هي ذاتها: نحن مواطنون. نريد الكرامة وحقوق الإنسان. نحن لسنا خائفين من الزعماء المستبدين أو الشرطة السرية الخاصة بهم.

كانت تلك هي الطريقة التي بدأت بها هذه الحركة: بائع متجول في تونس في أواخر عام 2010.. ولا تزال أصداؤها تتردد.

يقول أحمد سعيد، أحد قادة جبهة الإنقاذ الوطني في مصر، لصحيفة «الغارديان» البريطانية: «إنها ثورة ثانية»، حتى كتابة هذه السطور لم يتضح بعد كيف ستنتهي الاحتجاجات الجماهيرية، لكن محاولة مرسي فرض سياسات الإخوان على مصر التي تتسم بالتنوع قد فشلت. وأمسك الجيش المصري - المؤسسة الوحيدة في البلاد التي تحظى بدعم واسع - بميزان القوة.

ما يثير الدهشة هو أن التحدي الجديد الذي تواجهه الأحزاب الدينية في الشرق الأوسط يتجاوز الخطوط الطائفية. فالاحتجاجات ضد «الإخوان المسلمين» في مصر تتشابه بشكل كبير مع المعارضة الشيعية في إيران، حيث سُحقت الثورة الخضراء عام 2009 تحت وطأة القمع الحكومي.

لواء التغيير غير المتوقع في إيران هو حسن روحاني، الذي انتخب رئيسا الشهر الماضي، فهو جزء من المؤسسة الدينية التي تدير إيران منذ ثلاثة عقود. ومن ثم فمن السابق لأوانه أن نفترض أن يكون انتخاب روحاني مؤشرا على أي تقدم في المفاوضات المتوقفة بشأن البرنامج النووي الإيراني.

لكن انتصار روحاني ينبئنا بعض الشيء عن المزاج العام الإيراني، فمن بين المرشحين الستة الذين تنافسوا في الانتخابات التي جرت في 14 يونيو (حزيران)، كان روحاني المرشح الأكثر أهمية، فقد طالب بتطبيق إصلاحات وعلاقات جديدة مع الغرب. وتشير حقيقة فوزه بنسبة 51 في المائة من الأصوات (بنسبة 73 في المائة ممن أدلوا بأصواتهم) إلى الانعتاق من وصاية المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي بدا مؤيدا لمستشار الأمن القومي، سعيد جليلي.

وقال روحاني خلال الحملة الانتخابية «ليس لدينا خيار آخر سوى الاعتدال»، وهو ما لم يكن واضحا في التطبيق، لكن روحاني حث إيران على الحوار مع الغرب، بدلا من الاعتماد على روسيا والصين.

كما هز المتظاهرون أيضا الشعبية الإسلامية لرئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، الذي كان «نجم الاستبدادية»، على حد تعبير ويليام دوبسون، مؤلف كتاب «منحنى تعلم الديكتاتور». ولكن حتى أردوغان أثار ردود فعل عنيفة بعد سنوات من الضغط على وسائل الإعلام التركية والمحاكم والجيش. وكتب إيميليانو أليساندري، ونورا فيشر أونار، وأوزغور أونلوهيسارجيكي، على موقع وزارة الخارجية «إن التجربة المشتركة للقمع، ممتزجة بحالة الإحباط الجماعي نتيجة جهود حكومية متزايدة لتنظيم الحياة العامة، وحدت المواطنين من مختلف مناحي الحياة في تركيا».

هذه الموجة الجديدة من النشاط في الشرق الأوسط ليست موالية أو معادية للولايات المتحدة. إنها شيء آخر - حركة لتمكين المواطنين الذين لا يريدون الديكتاتوريات العلمانية القديمة من عهد حسني مبارك، ولا يريدون التسلط الإسلامي الجديد، أيضا. وظهر جوهر «سلطة الشعب» هذه في بداية «الربيع العربي» عام 2011، ولكن حالة من الفتور سادت في أعقاب وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر، وانتشرت الفوضى في ليبيا وسوريا. وعلى الرغم من هذه الانتكاسات أظهر الأسبوع الحالي أن الحركة الشعبية من أجل التغيير الديمقراطي الذي يقاوم إملاء أي شخص لا تزال قائمة.

ويقول الكاتب المصري باسم صبري في تغريدة له في وقت متأخر من يوم الثلاثاء «إنني لم أرَ على الإطلاق شيئا كهذا، ولا حتى في فبراير (شباط) من عام 2011. هذه هي حركة شعبية حقيقية، غير منظمة على الإطلاق».

ويقول مسؤولون أميركيون إن الأحداث الأخيرة هي تذكير بأن منطقة الشرق الأوسط لا تزال في المراحل الأولى من عملية التحول التي تجري منذ فترة طويلة. فقد منح انتخاب مرسي في عام 2012 الفرصة لجماعة الإخوان لإظهار قدرتها على حكم مصر بشكل فعال، لكنها فشلت في ذلك الاختبار - وفقد الجيش المصري صبره على هذه التجربة الفاشلة.

إننا في يوم الاحتفال باستقلال أميركا نحتفل بانتصار الديمقراطية. لكن ديفيد ماكولو يذكرنا في كتابه «1776» بأنه في يناير من ذلك العام الثوري، أصابت جورج واشنطن حالة من اليأس لأن «قلة من الناس كانوا يدركون المأزق الذي نحن فيه»، فقد تطلب الأمر من أميركا 12 سنة أخرى لكتابة والموافقة على دستور قابل للتطبيق. إن التحول الديمقراطي النشط هو مجرد بداية في الشرق الأوسط.

* خدمة «واشنطن بوست»