الحمام يؤكل أو يطير

TT

في زيوريخ منذ عشرين عاما تقريبا، طلبت من مرافقي أن يذهب بي إلى مكان يقدم ساندويتشات الشاورمة، فأخذني إلى مطعم مغربي، تناول كل منا واحدا يتسم بالضخامة والدسامة، وفي الصباح قال لي إن زوجته نفرت منه وقالت له: رائحتك شرق أوسط.

كانت المرة الأولى التي أعرف فيها أن أطعمتنا تعطينا رائحة مميزة لا نشمها نحن. على رصيف المترو الحمام يطير حول الركاب ويمشي على الأرض بين أقدامهم، غير أنني فوجئت بأنه يطير بعيدا عني في خوف وكأنه اكتشف أنني من آكلي الحمام. تذكرت ما قاله لي مرافقي.. آه يا لساندويتش الشاورمة اللعين. لقد اكتشف الحمام من رائحتي هويتي وتعامل معي كمتوحش. ومنذ ذلك اليوم توقفت عن أكل الحمام مشويا أو محشيا، وحتى في المرات التي فوجئت فيها في دعوة من الدعوات بحمامة محشية في الطبق أمامي كنت أكتفي بأكل السلطات. أكاد أسمعك: ما الذي ذكّرك بحكاية الحمام يا رجل؟

أحد المرسيين شاهد رؤيا في منامه تكلم عنها في إحدى المحطات فتناولتها كل البرامج بالشرح والتعليق. جاءت ثماني حمامات ووقفت على كتفي الرئيس مرسي، وكان تفسيره للحلم هو أن عدد الحمام يمثل عدد سنوات الحكم التي سيحكم فيها مصر، أي أنه سيحكم لمدتين.

يرى فرويد أن الأحلام ليست أكثر من نشاط زائد داخل العقل، وأن العقل الباطن أو اللاوعي يقوم بعملية إخراج لهذه الأحلام تشبه إلى حد كبير دور المخرج في المسرح والسينما مستخدما حيلا كثيرة يقوم فيها بتحويل ما كان واقعا إلى رموز، غير أن الأمر في كل الأحوال ليست له صلة بعملية التنبؤ بالمستقبل. غير أن الأستاذ يونغ يرى أن في الأحلام بالفعل عناصر تنبؤية، غير أنه تنبؤ من صنع الحالم نفسه وليس من خارجه. ولست أرى تناقضا بين الاثنين، ففي اللاوعي تتم عملية الربط بين عناصر متباعدة، ثم الوصول من ذلك إلى نتيجة لم تكن معروفة للحالم. هي ليست اطلاعا على الغيب الذي لا يعرفه إلا الله. بل هي القدرة على الوصول إلى نتائج حتمية من خلال إعادة ترتيب لعناصر الواقع. وبدراستي لهذا الحلم أرى أن اللاوعي عند صاحب الرؤيا حوّل علامة النسر التي توضع على أكتاف كبار الضباط إلى حمامة، ثم نزع هذه الحمامة أو الحمامات التي تمثل رتبا عسكرية من على أكتاف صاحبها أو أصحابها ووضعها على كتف الشخص صاحب الرؤيا، وذلك ليجردها من قوتها، ويكسبه هو هذه القوة. غير أن المفسر عذّب نفسه في البحث عن تفسيرات بعيدة، لا شأن للحمام بالسياسة، هو رمز للسلام فقط، ولكن لا صلة له بالديمقراطية وعدد سنوات الحكم. ولو أنه استسلم لأول فكرة طرأت على باله لعرف على الفور أن الفكرة الواضحة التي يعرفها اللاوعي الجمعي عن الحمام هي أنه يؤكل أو يطير. هكذا يكون قد تنبأ بغير أن يدري بأن الشخص المعني بالرؤيا سوف يؤكل، أو أنه سيطير.. والله أعلم.