ما بعد «الانقلاب الديمقراطي» للعسكر

TT

أصرت غالبية الصحف الغربية، من خلال رصدها عن قرب للحدث المصري، على وصف ما حدث يوم 3 يوليو (تموز) بأنه «انقلاب عسكري»، مع اعترافها بأن ما قامت به القوات المسلحة المصرية من عزل للرئيس مرسي، جاء ردا على مطلب شعبي عارم يصعب تجاهله. الأنظمة الغربية بما فيها الإدارة الأميركية فضلت التحفظ، والتعبير عن قلقها ورغبتها في رؤية حكم مدني ديمقراطي في أسرع وقت.

صحافية أميركية كتبت: «لا تنتظروا أبدا أن تصف أميركا ما حدث بأنه انقلاب، فهذا يترتب عليه إجراءات، ربما لا ترغب فيها الإدارة في الوقت الراهن». بات معلوما أن الإدارة الأميركية أبلغت بقرار الجيش المصري، لكنها فضلت «النأي بالنفس» - علنيا على الأقل - على الطريقة الأوبامية المعهودة.

كاميرات «غوغل» رصدت التجمعات المناهضة لمرسي والمؤيدة له، لتصف هذه الأخيرة بأنها إبرة في كومة قش المعارضين. الرئيس المنتخب منذ سنة فقط تمكن من تأليب الرأي العام ضده بسرعة قياسية. وإذا كان عزل مرسي أراح الكثيرين، وفرّج هم البورصة المصرية، وأولئك الذين شعروا أن بلادهم مختطفة من فئة صغيرة، فإن الإخوان بتجربتهم القصيرة في الحكم، وبما حملته من فشل ذريع، سواء بإقصاء حلفائهم كما معارضيهم، ومحاولة الاستئثار بالحكم من دون اعتبار لبقية الشعب لا سيما أولئك الذين ثاروا يوم 25 يناير (كانون الثاني)، تسببوا في ضربة قاسية لتيارات الإسلام السياسي، التي كانت تستعد لبسط سلطتها في أكثر من بلد عربي. فإذا كان تنظيم الإخوان، وهو الأقوى والأقدم والأكثر تنظيما، الذي يعد العدة منذ 85 عاما، احتاج لسنة واحدة فقط، حتى نرى سيدات منتقبات يتظاهرن ضده، قائلات أمام الكاميرات إنه أساء لصورة الإسلام، فما الذي تستطيعه التيارات الأخرى؟ ضربة ستتجاوز تردداتها مصر بالتأكيد. ثمة مرارة علقمية يعبر عنها كل المؤيدين لهذا النهج في المنطقة العربية. إحباط يتوجب أخذه بعين الاعتبار، لأنه سيتحول في لحظة مقبلة، تطول أو تقصر، إلى ورطة سياسية.

المعركة ليست بين فئتين إحداهما متدينة، والأخرى ليبرالية علمانية، كما يصفها البعض، بل بين نهجين مختلفين لكل فئة منهما أسلوبها في عيشها لتدينها. ظهر الإخوان المسلمون خلال فترة حكمهم، وكأنهم بلا مشروع للدولة، بلا رؤية وطنية تتسع لكل الأطياف. لم يتمكن الرئيس الإخواني من إقناع المصريين بأنه رئيس لهم بمختلف انتماءاتهم. وهو ما يعبر عنه التونسيون الذين بدأوا بجمع التواقيع ضد حزب النهضة، على غرار ما فعلته حركة «تمرد» في مصر ضد الإخوان المسلمين. وإن كان راشد الغنوشي، لا يرى شبها بين طبيعة الجيش في البلدين.

كان على الجيش المصري أن يختار بين ترك مصر على حافة الانفجار والحرب الأهلية، أو إخراج السيناريو الوطني الجامع و«المصور» لحركته الانقلابية البيضاء.

أمن قائد القوات المسلحة عبد الفتاح السيسي لنفسه، وهو يتلو بيان عزل الرئيس محمد مرسي، أمام الكاميرا التي نقلت صورتها لكل العالم، الغطاءين الدينيين، الإسلامي والمسيحي بوجود شيخ الأزهر والبابا تواضروس، وكذلك المدني المعارض بحضور حامل نوبل للسلام محمد البرادعي، من دون نسيان الصوت النسائي والشباب، والموافقة السلفية.

الانقلاب العسكري، بحسب التعريفات المعتمدة، «تقوم به مجموعة من العسكريين، ضد رأس سلطة ديكتاتورية، تعزله بقوة السلاح، تستولي على الحكم، وتخضع مؤسسات الدولة لسطوتها».

كسر الجيش المصري حلقة هذا التعريف، وهو يعزل رئيسا منتخبا، بإعلانه فورا تسليم السلطة لرأس المحكمة الدستورية، وعزمه تشكيل حكومة مدنية، وإجراء انتخابات.

مؤسف أن لا تترك جماعة الإخوان للمصريين، جيشا وشعبا، مخرجا، أفضل من القبول بحل عسكري، تماما كما فعل محمد حسني مبارك من قبل. ليسجل للمصريين بأنهم خضعوا لتغيير بيد الجيش لمرتين في سنتين. أمر يجعل المراقبين يتساءلون إن لم تكن مصر، التي حكمها العسكر لستين سنة سابقة، قد دخلت بعد حكم مدني فاشل لمدة سنة، عهدا يشبه الذي عاشته تركيا، منذ عام 1960، حيث خضعت من حينها لثلاثة انقلابات عنيفة، وانقلابين أبيضين. وعرف عن تركيا قوة جيشها الذي كان يتحكم، رغم الوجه الديمقراطي للدولة، بالسياسة الخارجية، ويسيطر على المفاصل الداخلية.

ما تزال الثورات العربية، في أولها، حكم الإخوان تجربة قصيرة في مخاض طويل، وتدخل الجيش لعزل مبارك ومن ثم مرسي، جاء ليرضي غالبية المصريين، في المرتين، لكنه ليس ظاهرة صحية يتمناها المرء لأم الدنيا.

القادم أصعب من الذي مضي. المصريون أمام امتحان الديمقراطية العسير، يحتاجون انفتاحا كبيرا من كل الأطياف، وتسامحا عاليا. التيارات الإسلامية الراغبة في خوض غمار السياسة، لا بد أن تتعلم من درس إخوان مصر أن الفوز بصناديق الاقتراع، لا يعني أبدا، التفرد بالسلطة، وإخضاع جمهور العباد لمزاج الاستبداد.