حرب على المصريين

TT

كل الحروب التي خاضتها الجماعة من قبل، كانت في مواجهة حكومات، قبل ثورة يوليو 1952 وبعدها، أما الآن فقد أعلنت حربها الأخيرة - وستكون الأخيرة بالفعل - في مواجهة الشعب المصري ممثلا في ناسه، ومراكز قواته المسلحة، وأجهزته الشرطية في سيناء وفي طول البلاد وعرضها. وذلك عقابا للشعب المصري على خلعه لرئيس عجز عن أن يكون رئيسا للمصريين وظل لعام كامل مندوبا عن الجماعة في القصر الجمهوري، وكأنه كان مكلفا بمهمة أوكلت إليه من قبل الجماعة بتخريب حياة المصريين بأغرب نظام حكم عرفوه في تاريخهم الطويل.

ستكون حربا طويلة ذات كلفة عالية في الأرواح، أرواح المصريين الأبرياء الذين لا يطمعون في أكثر من حكم نزيه رشيد يتمكنون في ظله من البحث عن لقمة عيشهم. غير أن هزيمة الجماعة فيها محققة. ولكن هزيمتهم على سطح الأرض لن تقنعهم بالعيش في سلام مع أهلهم، بل سيواصلون عملياتهم من تحت الأرض، لا توجد طريقة للوصول إلى سلام مع هؤلاء الذين لا يعرفون السلام مع أنفسهم، هذه جماعة قررت أن تنهي وجودها في مصر بأسوأ المشاهد دموية.

لم يحدث انقلاب عسكري في مصر، لم يتجمع عدد من الضباط بليل وقرروا إزالة السلطة الحاكمة، كل ما حدث كان واضحا للجميع، كان الشعب المصري قد وصل إلى درجة من اليأس كان واضحا أنها تسبق الانفجار مباشرة، وجاءت حركة تمرد لتعيد إليهم الأمل في إمكانية التخلص بطريقة سلمية من هذا الحكم الذي يهيل عليهم المزيد من التعاسة في كل لحظة. وفي اللحظات التي تجمع فيها عشرات ملايين المصريين في كل ميادين المدن والمراكز بل والقرى المصرية، وجد العسكريون أنفسهم في مواجهة موقف شديد الصعوبة، لا توجد قوة على الأرض قادرة على حماية الرئيس من هذه الملايين عندما يقررون اقتحام القصر الذي يتحصن به، لا حرس جمهوري يستطيع صدهم ولا غيره. وستكون هذه هي إشارة البدء بمذبحة في طول البلاد وعرضها، لذلك كان قرارهم بعد رفضه القاطع لعمل انتخابات مبكرة، أن يترك الحكم. هذا هو بالضبط ما يمليه عليهم الواجب والشرف الإنساني والعسكري. وهذا هو ما فعلوه.

بعد عزل الرئيس السابق، ارتفعت دعوات على الفور من كل قادة الرأي العام في كل منابر الإعلام وأنا منهم، تنبه إلى ضرورة المصالحة بين الجميع وتؤكد على أن جماعة الإخوان المصرية تمثل فريقا من حقه أن يستمتع بكل حقوق باقي الفرقاء. كما تحذر من التعامل معهم بأي إحساس بالمرارة أو الشماتة، دعوات طيبة صدرت عن عقول وقلوب طيبة، غير أنها في غمرة هذه الطيبة وربما بسببها تجاهلت قانونا قديما عرفه المصريون من أزمنة قديمة وهو «رضينا بالهم، والهم مش راضي بينا» اتضح أن المطلوب ليس أن نتصالح نحن معهم، بل أن يتصالحوا هم معنا، وهو الأمر الذي يبدو مستحيلا بعد أن اختاروا أن يعلنوا الحرب علينا.