التهنئة الأخيرة

TT

بمناسبة قدوم شهر رمضان الكريم أقدم التهنئة للجميع.

ومثلما هو معروف فهناك مصحات في بعض البلاد بأوروبا وأميركا تقدم العلاج للأصحاء والمرضى على حد سواء، لا عقاقير فيها ولا أطباء، إذ يقتصر العلاج فيها على الصوم وألوان الرياضة.

والنظرية التي يستند إليها أصحاب هذه المنشآت الصحية، أن الكثير من الأمراض، والكثير من الخطوط والتجعدات التي تشوه القسمات الحلوة في النساء والرجال، والكثير من الشحم المتراكم، واللحم المتهدل، والعيون الغائرة، والقوى المنهكة، والنفوس المريضة... كلها تعزى إلى التخمة المتواصلة، والطعام الدسم المترف.

وسبق للحكماء العرب والمسلمين أن أكدوا أن (المعدة هي بيت الداء) - ولكن على من تعزف مزاميرك يا داود؟ -.

وقد مارست الكثير من الشعوب الصوم قبل الإسلام وبعده، واختلفت طرقهم وطقوسهم فيه، منها في الهند مثلا أن هناك فئة تصوم نهائيا ولا تتناول غير الماء الزلال، وسبق لأحدهم أن صام على ذلك المنوال خمسين يوما متواصلة، وما زال على قيد الحياة.

وبحكم أنني شغوف ومغرم بخوض التجارب، فقد مارست هذا الطقس وصمدت ثلاثة أيام بلياليها، وفي منتصف اليوم الرابع أغمي علي، ولم أفق إلا في اليوم الخامس.

وأعرف صديقا كويتيا، رحمة الله عليه، كان بدينا وبذل المستحيلات لتخفيف وزنه دون جدوى، والتقيته في سنة من السنوات في جنوب إسبانيا ونصحته بدخول مصح (بوخنغر)، وفعلا استجاب لنصيحتي ودخل، وبعد عدة أيام اتصل بي وهو يكاد أن يبكي قائلا لي بلهجته الكويتية المحببة: يا معود إنني أصبحت كالمطيور أسير في حديقة المصح وآكل من أوراق الأشجار. وشفقة مني عليه ذهبت لزيارته وهرّبت له في جيبي حبة برتقال، وما إن شاهدها حتى أخذني بالأحضان وكأنني هربت له جوهرة غالية الثمن، وخطفها مني وهو يتلفت خوفا من أن تراه الممرضة، ودخل الحمام وأكلها وأكل معها قشرها وبذرها كذلك، وحمدت الله أنه لم يأكل أصابعي معها أيضا.

والغريب أنهم في ذلك المصح كانوا يحرمون على الزبائن حتى مشاهدة التلفزيون خشية من أن يشاهدوا في بعض الأفلام بعض الممثلين وهم يتناولون الأطعمة، واقتصرت العروض فقط على أفلام الكرتون والمسابقات الرياضية.

وبما أننا بصدد الحديث عن الصوم فقد سبق لي أن قرأت ما ذكره (الأصفهاني) من أن هناك ناديا في مكة المكرمة، فرض على رواده الصوم في يوم الاثنين والخميس حسب السنة الشريفة، أما باقي الأيام فمختلقة، وهو يقول فيه:

«اتخذ عبد الحكم بن عمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحي بيتا في مكة، وجعل فيه شطرنجات ونردات ودفاتر من كل علم، وجعل في الجدار أوتادا، فمن جاء علق ثيابه على وتد منها، ثم جر دفترا فقرأ، وأخذ بعض ما يلعب به، فلعب مع من يشاء من الرفاق.

وفي ليلة واحدة من الأسبوع يكون هناك مغنٍ وطبال وزمار يشنفون فيها آذان الحاضرين» - انتهى

ولا شك لو أنني كنت في ذلك الزمن لكنت الأول من رواد ذلك النادي السابق لعصره.

[email protected]