أفق الحوار البحريني: من أجل تجاوز العوامل المعطلة للحل

TT

انتهى حوار التوافق الوطني بعد أكثر من أربعة أشهر من المناقشات المستمرة، دون حدوث أي اختراق جوهري من شأنه المساعدة على التقدم نحو وفاق وطني كامل يضع حدا لحالة الانقسام والتوتر المستمرين منذ فبراير (شباط) 2011، تستعيد بواسطته البحرين الأمل في فتح صفحة جديدة لتحقيق المزيد من الإصلاح السياسي الذي أصبح شرطا أساسيا من شروط الاستقرار والتنمية.

وعند البحث عن أسباب تعثر هذا الحوار الذي دخل إجازة طويلة بمناسبة شهر رمضان يتبين أنها تعود في الغالب إلى عدة عوامل منها ضعف الثقة بين بعض الأطراف المتحاورة، وهو أمر له مبرراته الذاتية والموضوعية، بما يؤدي إلى وضع الشروط تلو الشروط والتعقيدات التي تجعل مختلف الأطراف متوجسة وقلقة وحريصة على حماية مصالحها في الأساس.

أما على صعيد المضمون السياسي لهذا الحوار، فإن المراجعات الموضوعية للمطالبات والشعارات وللوثائق التي كتبت وأعلنت تبين أنها في مجملها تتضمن نقطة تقاطع رئيسة، وهي العمل على ضمان «تعزيز التجربة الديمقراطية التعددية وتعزيز المساواة في المواطنة في ظل دولة مدنية وطنية يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات، دولة فيها تنمية مستدامة وتكافؤ فرص، ورقابة وشفافية»، ويمكننا أن نضيف إلى هذه التقاطعات بين جميع الخطابات مسألة «الحرية» بمعناها السياسي والفردي والإنساني والفكري لكي يكتمل التعبير عن الطموحات السياسية، ولا عجب فأي ديمقراطية حقيقية تستدعي أن يكون المواطن حرا في خياراته وتطلعاته وطموحاته، ولكن هذا الأمر ليس متاحا في الوقت الحاضر للجميع، وليست الدولة هنا هي التي تضغط، وإنما السلطة الطائفية الطامحة إلى المزيد من التأثير والسيطرة والسطوة، هي التي تضغط وتضع قيودا أمام مدنية الدولة، وهي شرط لبناء المجتمع الديمقراطي، وفي مواجهة الحرية التي هي أساس الديمقراطية وعمودها الفقري، ومن دونها لا مجال للتقدم على صعيد حرية المواطن الذي يختار ممثليه ويحاسبهم بعيدا عن أي قداسة. فالتجربة الديمقراطية التي عاشتها البحرين على مدار السنوات الماضية سيطرت فيها الجمعيات الطائفية بالبحرين على المشهد السياسي وأسهمت في تقسيم المجتمع، هناك قدر لا بأس به من الحرية، والدولة وفرت التشريع الذي يتيح التمثيل الديمقراطي المقبول نسبيا، ولكن الجمعيات الطائفية هي من يمتلك القول الفصل في المسألة الانتخابية، وفي سن التشريعات والقوانين، بما يجعل من الانتخابات عملية شكلية، ليس لها من الديمقراطية إلا الشكل الخارجي.. واستنادا لما تقدم من العوامل المعطلة، يمكن تصحيح مسار الحوار على النحو التالي:

- ضرورة اتخاذ المزيد من الخطوات لتعزيز الثقة المتبادلة بين الأطراف من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات المتبادلة والمتزامنة من الأطراف المختلفة، بحيث تكون هذه المبادرات والإجراءات المعززة للثقة مترابطة ومتكاملة ومتزامنة في تنفيذها، بما يؤدي تدريجيا إلى الحد من التوتر في الشارع وامتصاص الغضب والإحباط، مثل «التوقف عن ممارسة العنف بكل أشكاله، وضرورة احترام القانون والدستور والثوابت.. إلخ».

- الحد من التجاذبات السياسية، بشكل متزامن بين مختلف الأطراف، بما من شأنه أن ينعكس على الطاولة ويساعد على التقدم نحو تحقيق الأهداف المشتركة، مثل «التوقف عن تبادل الاتهامات السياسية، بحيث يكون هناك ما يشبه الميثاق الأخلاقي الذي يتم التوافق حوله داخل طاولة الحوار وخارجه».

- المرور مباشرة إلى ما هو جوهري في جدول الأعمال مثل:

- العمل على طي ملف الأحداث بتسوية الأوضاع والنتائج المترتبة عنها وإيجاد أفضل السبل لإنهاء الجدل حول تنفيذ ما بقي من توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق.

- الاتفاق على محورية قضية الحرية ومدنية الدولة والمواطنة المتساوية والعدالة وحقوق الإنسان.

- مناقشة ملف تطوير النظام السياسي وفقا لمبادئ الإصلاح التدريجي الهادئ الذي يجنب البلاد الهزات العاصفة بالاستقرار والتوازن الاجتماعي والتعايش السلمي.

- إعادة النظر في قانون الجمعيات السياسية بتطوير ووضع الضوابط الواضحة والدقيقة لمنع إنشاء أحزاب على أساس ديني أو طائفي، ومنع تدخل رجال الدين في السياسة بشكل نهائي.

- مناقشة الملف الاجتماعي – الاقتصادي، أي ما يرتبط باحتياجات المواطنين العاجلة بتعزيز وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين في إطار الموازنة بين تحسين الإنتاجية وتحسين الدخول.

وعند الانتهاء من الاتفاق على هذه القضايا الجوهرية ومرجعياتها الثابتة والراسخة في ميثاق العمل الوطني، وما يحفظ الوحدة الوطنية، وما أجمع عليه شعب البحرين في الميثاق في 2002، يمكن الانتقال إلى التوافق على أفضل السبل والآليات للتقدم في هذا الحوار، في سياق مبدأ التوافق، على ألا يرتبط التقدم في ملف بالضرورة بالتقدم في الملفات الأخرى، بما يتيح إمكانية تحقيق اختراق إيجابي في بعض الملفات، وتأجيل ما يصعب التوافق بشأنه في هذه اللحظة التاريخية إلى مزيد من الدراسة والحوار في مرحلة لاحقة. وإن حلا من هذا القبيل يتطلب امتلاك الشجاعة السياسية اللازمة للخروج من أفق المراوحة سوف يفتح الطريق نحو الحل النهائي للأزمة، وإن بالتدريج إن لزم الأمر.