مصر: أين أخطأنا؟

TT

التطورات المؤلمة في مصر أعادتنا إلى أجواء النقاش الذي بدأناه مع الإخوة المصريين في القاهرة العام الماضي إذ دعينا لقول ما عندنا وتقديم رؤيتنا حول المشهد المصري ومعالم خارطة طريق المستقبل. «الجامعة العربية المفتوحة» كانت تعد لطبع النقاش الذي استمر 3 ساعات وتوزيعه. وكثير من توقعاتنا حصلت مع الأسف، وبقي أن نلتقي مجددا علّنا ننجح في إيصال الرسائل بقراءة جديدة هذه المرة.

كنا قد راهنا على أن مصر لا يمكن لها أن تتحرك وتتغير من دون إصلاحات حقيقية في الداخل، وأن الرئيس المصري سيقود عملية إعلان دستور جديد بأسلوب وطريقة حضارية تجمع الشمل وتوحد شرائح المجتمع المصري. وكنا رددنا أن الجميع في مصر يعرف أن دائرة الفساد والغيرة والحسد أوسع مما يظن كثيرون، وأن المواجهة تحتاج إلى التعاون مع الجميع من دون تهميش أو استبعاد، وأن القيادة السياسية الجديدة مدعوة لتحدثنا عن رؤيتها الاقتصادية للمستقبل وتفاصيل خطة انتشال مصر وإعادتها إلى قلب مركز القرار الإقليمي. مصر كانت تعرف منذ البداية أنها مطالبة وملزمة بتحسين أدائها في الداخل والخارج، وقيادات الثورة كانت تدرك أن النجاح يتطلب قطع الطريق على محاولات رموز النظام السابق حماية المواقع والمقارعة والعودة إلى الإمساك بزمام الأمور. وهي نجحت في ذلك إلى حد كبير، لكن ما جرى لاحقا مع الأسف هو أن حالة الانبهار الجديدة سرعان ما تحولت إلى صدمة تخيب الآمال وتعيد المصريين إلى نقطة البداية التي تحركوا منها في ميدان التحرير قبل أكثر من عامين.

بدل ترجمة رغبة الجماهير المحتشدة في الميادين إلى خارطة طريق تتبنى إعادة تنظيم الشؤون الداخلية؛ السياسية والدستورية والاجتماعية والإنمائية في مصر، كانت السياسات تتقدم باتجاه التفرد بالحكم، والفشل في تحقيق الوعود الاقتصادية والإنمائية، والغطس في بحر سياسة خارجية تتلاعب بها الأمواج، وكان أهم الإنجازات ربما هو دفع الملايين إلى الشوارع التي تبناها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في إطار معادلة «الخيار كان قائما بين استمرار الفوضى أو التدخل وأن الصناديق لا تخرج دائما حكومة ديمقراطية».

ربما ما دفع كل هذه الملايين للنزول مجددا إلى التحرير هو القلق المتزايد من محاولات البعض التخلي عما اتفق عليه قبل عامين حول حماية الحرية بكل أشكالها وعدم تهميش الآخر أو تجاهله وإنكاره. الانتخابات التي حملت الإخوان إلى السلطة حمّلتهم أيضا مسؤولية الإدارة والقيادة التي طالما سعوا من أجلها، لكنهم لم ينجحوا في جمع شرائح المجتمع المصري حولهم، ففرطوا فيما حصلوا عليه من فرصة.

كلنا نعرف حجم التركة الصعبة التي سلمها النظام القديم سياسيا واقتصاديا، لكن مطلب تحمل المسؤولية يعني قبول تحمل أعباء المساهمة في إيصال البلاد إلى ما تستحقه ويليق بها. ما نناقشه اليوم مع الأسف هو تحويل شهر العسل بين القوى السياسية التي تعاونت على إسقاط مبارك، إلى اتهامات للإخوان بالتحضير لإقامة دولة دينية يخضع فيها المواطن لسلطة مركزية تسيطر على نمط العيش وتحدد أطره ومعالمه على حساب شريحة منوعة غنية في تركيبتها الدينية والاجتماعية في مصر.

في الحسابات الجيواستراتيجية، فإن عودة مصر تعني الكثير، لأنها همزة الوصل بين جناحي العالمين العربي والإسلامي؛ الآسيوي والأفريقي، وهي صاحبة الدور الريادي في بناء السلم وتحديد مسار الصراع الإقليمي، ومن الصعب تخيل مشروع إقليمي حقيقي من دون مصر، لكنه يبدو أن علينا الانتظار بعض الوقت أيضا.. فمصر عليها أن تواجه تحديات مصيرية على أكثر من جبهة في الداخل والخارج، وأن يعيدها أبناؤها إلى مسارها الصحيح وفي الاتجاه الصحيح.

ما زلنا عند رأينا بأن لا أحد في مصر يريد العودة إلى الماضي، لكن المستقبل أيضا ينبغي أن يناقش ويحدد مساره وخطوطه العامة بأسرع ما يكون. خطأ «الإخوان» الأكبر سيكون حتما التخلي عن سلمية التحرك الذي تعودنا عليه في الأشهر الأخيرة في الميادين، ومحاولة إشعال حرب أهلية أو السقوط في مصيدة من هذا النوع قد يريدها البعض.