مشكلة العاطفة في قراراتنا

TT

تقتضي الحكمة أحيانا أن نؤجل قرار شراء سلعة أو خدمة أملا في أن يخلو قرارنا من دوافع عاطفية. فالعاطفة إذا ما امتزجت في قرارات ما أفسدتها. فكم من قرار سياسي أو تجاري أو شخصي خلا من العقلانية لأن صاحبه سمح لعواطفه بأن تتحكم في قراره.

وقد أعجبني صاحب خدمة إخبارية حينما صارحني بأنه حينما عاد متذمرا من مؤتمر صحافي حول قرار اتخذته حكومته، طلب من المحرر أن يكتب الخبر بدلا منه؛ لأنه، حسب قوله، إذا ما كتبه فسوف يكون قاسيا وبعيدا عن الموضوعية. وهو أمر صحيح، ولذا نجد أن قرار شن الحروب في بعض البلدان مرتبط بموافقات برلمانية ساحقة حتى لا يلقي بهم فرد واحد إلى التهلكة!

وفي أميركا مثلا لا يمتلك الرئيس وحده قرار الحرب، بل حتى إطلاق صواريخ معينة؛ لأنه يحتاج إلى أكثر من موافقة أو رقم سري. ولهذا السبب نجد أن أكثر القرارات المدمرة تصدر عن ديكتاتوريين ومستبدين. مثل ذلك الرئيس الكوري الشاب الذي استيقظ من نومه ليهدد بشن حرب على جارته الجنوبية وأشغل العالم، أو مثل صدام حسين الذي غزا الكويت فشرد شعبا كاملا وقلب بغزوه موازين القوى في المنطقة، ثم نكتشف أن وزير خارجيته طارق عزيز يقول لقناة «العربية» بأن نفسية الرئيس لم تكن على ما يرام حينذاك!

والخشية من سيطرة العاطفة هي ما يدفع الشركات إلى حصر حق الموافقة على قرارات معينة في يد مجلس الإدارة أو فرض لائحة صلاحيات تخول أكثر من توقيع للموافقة على مشاريع معينة تفاديا لقرارات المديرين المتسرعة. وليس هذا فحسب، بل إن دراسة علمية أظهرت أن البائعين الذين غلبت عليهم مشاعر الحزن كانوا أكثر ميلا نحو تقديم عرض سعري أدنى من المعتاد للسلعة التي يبيعونها، بحسب دراسة نشرتها دورية سيكولوجية العلوم للباحث لرنر وآخرين.

العاطفة عموما أمر صحي، لكن خطورتها تكمن في سيطرتها على صاحبها «لحظة اتخاذ القرار». وهذا ما يجعل الاستشارة أمرا محمودا، بل واجبا، حتى يطمئن الفرد إلى أن قراره بات ينظر إليه من جميع النواحي. ومشكلة العاطفة أنها لا تنحصر في القرار الذي نتخذه، بل تمتد إلى قرارات أخرى تالية ليس لها علاقة بالقرار الأول، لا سيما في لحظات الغضب.

ولذا قيل «لا تعد أحدا في لحظة فرح، ولا ترد في لحظة غضب، ولا تقرر حينما ينتابك حزن شديد».