مساعدة أميركا الأفضل لمصر في الوقت الراهن

TT

برر البيت الأبيض الانقلاب العسكري الذي وقع الأسبوع الماضي في مصر بأنه سيوفر الفرصة لـ«بداية جديدة»، وهذه فكرة مطمئنة من نواحٍ متعددة لا من ناحية واحدة. لكن الحياة السياسية لا تأتي مصحوبة بممحاة قادرة على إزالة الأخطاء بعناية والبدء من جديد، خاصة في منطقة الشرق الأوسط المتفجرة.

لقد كانت مصر بحاجة ملحة إلى بداية جديدة. فقد كان أداء الرئيس محمد مرسي وحكومة الإخوان المسلمين من السوء لدرجة أن مصر كانت فيما يعادل الفصل الـ11 من الإفلاس، كما وصفت ذلك قبل شهر. وقد رفض مرسي محاولات الوساطة الأميركية والقطرية للوصول إلى تسوية. وقد بدأ تدخل الجيش دورة جديدة، ولكن مصر لم تكن لتتمكن من الاستمرار طويلا في تلك الحالة من الشلل، كان لا بد لشيء ما أن يحدث.

كانت مأساة رئاسة مرسي تتلخص في أنه كان ذلك النوع من القادة الذين تعوزهم الحيوية والكفاءة في أمة بهذا القدر من الإبداع والديناميكية. إن مصر تستحق الأفضل، ولعل ذلك هو السبب في أن الكثير - وربما الغالبية - من المصريين يؤيدون تصرف الجيش.

قدمت الثورة الثانية في مصر، من الناحية النظرية، فرصة لإعادة الديمقراطية إلى مسارها الصحيح. وهو ما يعني انتخابات للرئاسة والبرلمان في غضون ستة إلى تسعة أشهر؛ وكتابة دستور حقيقي، بدلا من دستور كتب على عجل، وتدريب قوة شرطة ديمقراطية يمكن أن توفر الأمن للسكان الذين أصيبوا بصدمات نفسية؛ وضخ مبالغ مالية كبيرة من دول الخليج لاستعادة الثقة وتحريك الاقتصاد المصري مرة أخرى.

المشكلة أن مصر دولة هشة، دولة قابلة للاشتعال، ليست مريضا مخدرا على طاولة العمليات في انتظار نقل الدم. في نهاية الأسبوع الماضي، بدا من الممكن قدرة الحكومة المدعومة من الجيش الجديد على التواصل مع الإسلاميين مثل حزب النور السلفي الذي دعم الانقلاب، بل وحتى لعناصر من جماعة الإخوان المسلمين. على الجانب الآخر كان مقتل أكثر من 50 متظاهرا من الإخوان المسلمين حدثا مروعا، ولكنه كان متوقعا أيضا، فقد أكد مرسي بوضوح في كلمته الأخيرة أنه وأنصاره يفضلون الاستشهاد على تقديم تنازلات.

ما الدور الذي ينبغي أن تلعبه الولايات المتحدة على صعيد الأزمة في مصر؟ هذا يقودنا إلى البداية الثانية. لقد سمحت واشنطن لمصر بالتراجع خلال الكارثة الواضحة لرئاسة مرسي. فترك البيت الأبيض السياسة إلى حد كبير في يد السفيرة آن باترسون في القاهرة. وهي واحدة من أفضل الدبلوماسيين في البلاد، ولكن تركيزها كان على العمل مع الحكومة المنتخبة. وقد دفع ذلك الكثير من المصريين لأن يروا أن الولايات المتحدة تعمل على تمكين مرسي، وإلى تشويه صورة باترسون شخصيا. وكان هذا غير عادل، لكنها كانت نتيجة لموقف سلبي للغاية، في واشنطن.

في هذه المرة، يحتاج الرئيس أوباما إلى قيادة جهود من جانب كل الحلفاء الإقليميين لأميركا – من المملكة العربية السعودية وقطر إلى إسرائيل – ترمي لمساعدة الحكومة المصرية الجديدة في تحقيق النجاح. لقد تباهى البيت الأبيض خلال فترة حكم مرسي بأن أميركا لم تعد تمثل مشكلة بالنسبة للإسلاميين. بيد أن هذه عجرفة. فأميركا بحاجة إلى مواصلة المشاركة مع القوى السياسية المعتدلة في الشرق الأوسط طوال الوقت؛ إن المنطقة في بداية رحلة عناء طويلة نحو تحقيق العدالة والديمقراطية، مع وجود كثير من العراقيل على طول الطريق. ولا تملك الولايات المتحدة رفاهية التخلف عن المشاركة في هذه العملية.

إن فكرة ضرورة قطع أميركا المساعدات الممنوحة لمصر احتجاجا على الانقلاب، مثلما أشار السيناتور جون ماكين وآخرون، لا تبدو منطقية بدرجة كبيرة، إلا كجزء من خطاب مؤيد للديمقراطية. لقد حان الوقت بالنسبة لأميركا للمشاركة بصورة أكبر مع مصر وحكامها (حتى الجنرالات). الأفضل مواصلة تقديم المساعدات والتأكيد على أنها مشروطة بوضع الجيش جدولا زمنيا لإجراء انتخابات مبكرة.

إن فرصة البداية الجديدة هي الأصعب. فالخطر الحقيقي للانقلاب وما تلاه من اعتقالات وحوادث قتل هو أنها سوف تدفع جماعة الإخوان المسلمين مجددا إلى العمل السري، وتجدد دائرة القمع من جانب النظام والعنف الإرهابي الذي قد شوه صورة العالم الإسلامي على مدى أجيال. وقد أسفر هذا المأزق السياسي عن صعود تنظيم القاعدة (من أصول مصرية) وأحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2011 التي غيرت ملامح العالم. إن هذا هو الجزء الذي نحتاج بحق للتعامل معه على الوجه الصحيح هذه المرة.

ما الذي تعلمته أميركا على مدى عشرات الأعوام؟ حماية الأمن القومي من دون فرض المراقبة في أميركا. لا ترسلوا جيوشا أميركية لخوض حروب في الشرق الأوسط. روجوا للتسامح مع المسلمين في أرض الوطن وبالخارج. استمروا في المشاركة مع القوى الإسلامية المعتدلة. مدوا يد العون لشركاء مكافحة الإرهاب، مثل الجيش المصري، في توفير الأمن لا القمع. يقدم مايكل ليتر، وهو مدير سابق للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب، إنذارا أخيرا يتعلق بالفرصة لبداية جديدة، قائلا: «إن جماعة الإخوان المسلمين ليست تنظيم القاعدة، ولا تدفعوهم في ذلك الاتجاه». لسوء الطالع، تسارعت الدفعة مع حوادث القتل التي وقعت يوم الاثنين. فلتبطئوها.

* خدمة «واشنطن بوست»