فجيعة أميركا بانهيار «أخونة» المنطقة!

TT

احتاجت الإدارة الأميركية إلى عشرة أيام من «الدراسة» لكي تكتشف أن ثورة 30 يونيو (حزيران) التي أسقطت محمد مرسي وأنهت حكم «الإخوان المسلمين»، هي انقلاب شعبي يمثل إرادة المصريين وليس انقلابا عسكريا. هذه الدراسة كانت أشبه بمناحة صامتة، وخصوصا عندما نعرف أن واشنطن قامت بمحاولات محمومة لإعادة مرسي إلى السلطة ولو ليوم واحد لكي يعلن بنفسه التنحي، معتبرة أن هذا المخرج العجيب يشكل حلا دستوريا!

ما يدعو إلى السخرية أن باراك أوباما الذي سارع بعد أقل من أسبوع إلى تأييد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، داعيا حليف أميركا حسني مبارك إلى التنحي، يواصل حتى هذه اللحظة «تقويم الأحداث» على قاعدة أن مصر تمر بحال من التغيير، وأنه لا يريد أن يخطئ في تقدير ما حصل، لكن الغريب أن يرى البيت الأبيض في حشد المليون مبررا لمطالبة مبارك بالرحيل، بينما يتعامى عن خروج 33 مليونا من المصريين صارخين في وجه مرسي «ارحل»، وهو ما يساوي ثلث الشعب المصري أو ما يعادل نسبيا 120 مليون أميركي!

كانت واشنطن بالطبع على دراية بأدق التفاصيل، وعرفت منذ البداية أن ما يحصل هو انقلاب شعبي على حكم «الإخوان» الذين اختطفوا الثورة صادروا مصر لإدخالها عصر «الفرعونية الإسلامية»، ومنذ وقفت السفيرة الأميركية آن باترسون إلى جانب محمد مرسي عشية المظاهرات الكبرى، مؤكدة «دعم الشرعية المصرية» وداعية إلى احترام نتائج الانتخابات، بدا واضحا أن رهان واشنطن يقوم على ترتيب تحالف بين العسكر و«الإخوان»، وهو ما أطاحه شباب مصر الذين رفضوا بإصرار شديد اقتراح باترسون عودة مرسي ليعلن التنحي بنفسه.

فلقد ذهب قادة حركة «تمرد»، وهم محمود بدر ومحمد عبد العزيز وحسن شاهين، إلى الفريق عبد الفتاح السيسي وقالوا له ما معناه أننا نعلم أن هناك محاولات لإعادة مرسي وهذا أمر مرفوض، فإذا اخترتم أنصاف الحلول تخسرون. هناك اقتراحات أميركية وتركية تدعو إلى إجراء استفتاء على حكم مرسي، لكن المصريين وقعوا على استمارة تدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة لا إلى إجراء استفتاء، فإذا قبلتم بالاستفتاء فسيرفض «الإخوان» في اليوم الثاني، ثم إننا نحمل توقيع 22 مليون مصري يطالبون بالانتخابات، وهو رقم أكثر بتسعة ملايين من الذين صوتوا لمرسي.

لهذا لم يكن مستغربا أن يرفع شباب حركة «تمرد» في ميدان التحرير صور آن باترسون وتحتها شعار «حيزبون الإخوان»؛ ذلك أن السفيرة الأميركية التي تريد قيام شرق أوسط جديد على قاعدة الشراكة بين الإسلاميين والعسكر، مضت في التهويل محذرة من حرب أهلية بين الجيش و«الإخوان» والمعارضة، وهو ما شجع «الإخوان» على القيام بأعمال عنيفة وصلت إلى حد إلقاء المعارضين لمرسي عن السطوح!

لم تكتفِ باترسون بهذا، بل بذلت جهودا محمومة مع «حزب النور» السلفي بهدف عرقلة عملية تشكيل الحكومة الانتقالية، وبدا ذلك واضحا من خلال رفض هؤلاء محمد البرادعي ثم زياد بهاء الدين كمرشحين لرئاسة الحكومة، وكل هذا يدل على أن الإدارة الأميركية لا تقاتل على خلفية محاولة الاحتفاظ بحكم «الإخوان» في مصر، بل تريد تعميم سيطرتهم على مسارات التغيير في العالم العربي، انطلاقا من رهانات خطيرة طالما أثارت حماسة الصهيونية، التي لا تريد للعالم العربي الاستقرار والهدوء، ولا قيام الدولة المدنية التي تكفل الحرية وتؤمّن ظروف التقدم والطمأنينة للمواطنين.

من الواضح أن «الإخوان» في ثقافتهم السلطوية لا يقيمون وزنا للديمقراطية، لكن المثير أن لا تتوقف واشنطن مثلا عند تصريح عبد المنعم أبو الفتوح، القيادي السابق في جماعة الإخوان، الذي يقول إنه تركها لأنها لا تؤمن بالديمقراطية، التي يكاد أوباما أن يذرف عليها في مصر دموع التماسيح. المثير أكثر أنها لا تتأمل في تصريحات قياديين آخرين انشقوا عن «الإخوان» ويقولون «إن الجماعة انتهت من الحاضر والمستقبل بعدما باتت مرتبطة في ذهن الشعب بالجهل والإرهاب»؛ فالدكتور ثروت الخرباوي ترك «الإخوان» ليعلن «أن هذه الجماعة تتلاعب بالدين وبمشاعر الشعب، وأنها اتجهت نحو الصراعات السياسية وهيمنت على كل مفاصل الدولة وحاولت أخونتها، فكان من الطبيعي أن يثور عليها الشعب».

الرهان الأميركي على أخونة المنطقة العربية يهدف في العمق إلى زجها في أتون حرب مذهبية بين السنة والشيعة، وخصوصا بعد التدخلات الإيرانية التخريبية السافرة في كثير من الدول العربية، وآخرها القتال إلى جانب النظام ضد الشعب السوري. وإن غرق المنطقة في هذا الصراع، لا سمح الله، لن ينهي القضية الفلسطينية فحسب، بل سيجعل من الشرق الأوسط والخليج حوضا غارقا في الفوضى والدماء.