حتى لا تتكرر كارثة رابعة العدوية

TT

يبدو أن الأطراف السياسية والمؤسساتية المصرية ترفض، بعناد تاريخي، التعلم من أخطاء الماضيين القريب والبعيد. الجيش المصري لم يواجه في تاريخه الشعب. فوضى 30 شهرا تركته الدعامة الوحيدة الباقية من مثلث عمره سبعة آلاف عام (رأسه الفرعون - رئيس الدولة، والضلعان الجيش، والمعبد - الدين).. فالحذر من محاولات خبيثة لنصب كمين للجيش، كانت بروفته كارثة الاثنين الماضي، حيث يقامر من خسروا تأييد الأغلبية بمواجهات تبرير تدخل أميركي - دولي يأملون أن يعيدهم إلى السلطة.

وفي انتظار لجنة التحقيق القضائي التي أمر بها رئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشار عدلي منصور (القائم بأعمال رئيس الدولة وفق الدستور)، فنصيحتنا أن عدم الاعتراف بالأخطاء يعني احتمال تكرارها مستقبلا.

من يتحمل مسؤولية موت 51 مصريا مواطنين وبوليس وجيشا؟

لا يوجد جيش في العالم يدرب جنوده على التحكم في توجيه مظاهرات أو ما يعرف بـ«Crowd control»، لأنه عمل بوليسي مدني. الجنود يطيعون الأوامر، بلا تفكير فردي وفي أيديهم بنادق لا عصي مطاطية.

عدم الاستعداد لمواجهة شغب كان متوقعا في ميدان رابعة العدوية، إهمال كبير. النيابة العامة تتحمل المسؤولية. مرشد الجماعة دعا الجمعة 5 يوليو (تموز) للجهاد، وحرض الشباب المتحمس المغرر به، فخرجوا في المساء ليحرقوا السيارات ويثيروا اشتباكات مع المتظاهرين الرافعين شعار «لا لأخونة الدولة» مما أدى لسقوط 12 قتيلا ومئات الجرحى.

لماذا انتظرت النيابة خمسة أيام قبل استدعائه للتحقيق وفق قانون الأمن العام الصادر عام 1936 ومواد القانون الجنائي بتهمة التحريض المؤدي للقتل؟

وماذا عن الاعتداءات الإرهابية على حراس الحدود المصريين ومطار العريش (محمد البلتاجي من زعماء الإخوان قال إن اشتباكات سيناء يمكن أن تتوقف في ساعة واحدة فور عودة مرسي رئيسا)؟

احتجاز المذكورين غالبا كان سيمنع كارثة يوم الاثنين.

في الشهر الماضي حذر بوليس لندن زعيم رابطة الدفاع الإنجليزي من الاقتراب من مسجد ومركز ثقافي إسلامي لإلقاء خطاب استفزازي، وسار شرطي وشرطية بجانبه، وعندما اقترب لأكثر من 50 مترا من المسجد قبضوا عليه لخرقه قانون الأمن العام. تصرف البوليس بحكمة حال دون مشاجرة وسقوط ضحايا بين المسلمين ورابطة الدفاع.

الداخلية المصرية تعرف تاريخ جماعة الإخوان وتنظيمهم السري وعنف الثلاثينات والأربعينات والخمسينات، وبراعة مكتب الإرشاد في تبرير القتل بتفسيرات ثيوقراطية (عبارة حسن البنا «خلصونا من هذا القاضي» أدت إلى اغتيال القاضي الخازندار أمام طفلته بعد محاكمة إخوان فجروا القنابل وسط الأبرياء).

مع هذه المعلومات وتحريض المرشد العام وبقية زعماء الإخوان، لماذا لا تزود الداخلية رجال البوليس بأجهزة اكتشاف المعادن والمتفجرات، وإقامة نقاط تفتيش على مداخل الميدان لمنع إدخال أسلحة إلى المسجد (في بريطانيا يتخذ البوليس هذه الاحتياطات في مباريات كرة القدم والمهرجانات)؟ ولماذا لم تجهز أعدادا كافية من قوات مكافحة الشغب؟

المياه المضغوطة water cannons والغاز المسيل للدموع لا تسبب جروحا خطيرة.

ماذا نتوقع من مجندين شبان مجهدين من قلة النوم، لديهم أوامر بحراسة مبنى تهاجمه مجموعة غاضبة هائجة، وهم يسمعون طلقات رصاص ويشاهدون زجاجات حارقة تلقى من أسطح مبان (مثلما أظهر الفيديو الذي التقطته الكاميرات المرورية وهليكوبتر البوليس)؟ وماذا عن مسؤولية إمام مسجد رابعة العدوية؟

أما التيارات السياسية العلمانية، والليبرالية المناهضة للأخونة والشمولية الثيوقراطية، فنرجوهم ألا يكرروا أخطاء العامين الماضيين، خاصة مع ظهور روح الشماتة من البعض.. فالمطلوب اليوم المصالحة والعمل في حكومة إنقاذ وطني مؤقتة من جميع التيارات، وقد أحسن رئيس الوزراء حازم الببلاوي بدعوة الإخوان للمشاركة. وأرجو أن يعيدوا النظر في رفضهم لأنه يضر بالوطن، وبمستقبلهم الانتخابي على المدى الطويل.

ثورة 30 يونيو (حزيران) أثبتت ما نعرفه من قبل: في الظروف العادية يستحيل فوز الإخوان بالأغلبية (كل التقديرات، وأفضلها المخابرات البريطانية منذ مطلع الألفية الثانية، أن قاعدة التصويت الأساسية للإخوان 12 - 15 في المائة).

حصل مرشحهم محمد مرسي على أقل من ثلث المسجلين في جداول الانتخاب، بفضل ثلاث كتل جديدة؛ متعاطفين مع الإخوان بعد نجاح بروباغندا الجماعة في تقديم صورة بطولية رومانسية لفترات نزولهم السجون (مع تجاهل الأسباب التي أدت أصلا إلى إصدار أحكام قضائية بسبب العنف ومخالفة القانون)، وهم نحو 10 في المائة من الناخبين، وناخبين أتعبهم فساد نظام مبارك فصوتوا للإخوان كبديل، وهم 10 - 12 في المائة من الناخبين، ونحو 8 - 10 في المائة آخرين خدعوا بأن المرشح المنافس أحمد شفيق هو من «فلول مبارك».

ما حدث بعد محاولة أخونة مؤسسات الدولة، وتفكيك مرسي للمؤسسات القانونية، ومحاولة تكرار «مذبحة» عبد ناصر للقضاء المصري، فإن الكتل الثلاث غيروا رأيهم، ولا أعتقد أنهم سيعيدون التصويت للإخوان لسنوات قادمة. جيمس زغبي من معهد الإحصاء العربي الأميركي، قال في «سكاي نيوز» إن شعبية الإخوان في الاستطلاعات تناقصت إلى أقل من 10 في المائة من 25 في المائة قبل ثمانية أشهر، ونحو 47 في المائة منذ عام.

الدرس الأهم أن يكون الدستور محل إجماع وتوحيد لا خلاف، وإذا لم يقبل المصريون العودة لدستور 1923، وهو الأفضل، فليبسطوا الدستور بما لا يزيد على 20 مادة بلا انتماءات دينية أو عرقية أو آيديولوجية تثير الخلاف.. هذا حديث آخر.