المؤسسات الثقافية في عصر العولمة

TT

تعيش الأوساط الأدبية والثقافية في السعودية هذه الأيام فترة انتخابات الأندية الأدبية، فقبل مدة بسيطة انتهت اللجنة المشكلة من دراسة لائحة الأندية الأدبية المعدلة التي على ضوئها طبقت الانتخابات السابقة، إلا أنه ظهرت عليها ملاحظات بعد التطبيق، فاقتضت المصلحة تشكيل لجنة لإعادة النظر فيها، بحيث تتماشى - كما هو معلن - مع التطوير والتجديد المؤمل لمسيرة الأندية الأدبية.

تلك المسيرة التي بدأت في عام 1395هـ حين اجتمع المرحوم الأمير فيصل بن فهد بمجموعة من الأدباء السعوديين، في محاولة لإيجاد مؤسسات ثقافية ترعى الشأن الثقافي، وكانت فكرة إنشاء الأندية الأدبية.

لقد مضى أكثر من 35 عاما على تأسيس الأندية الأدبية، وهذا تاريخ طويل، ولكننا لا نلمس له أي تأثير على المشهد الثقافي السعودي.

إذن ما المشكلة المزمنة في المؤسسات الثقافية؟ هل هي مستمرة في مواصلة السير في نفس الطريق الخاطئ؟

ألا يطرح مضي 35 عاما من العمل غير المثمر لمؤسسة ثقافية تساؤلات مشروعة حول الحكم بفشل مشروعها؟

لنأخذ الأندية الأدبية في السعودية مثالا لحال باقي المؤسسات الثقافية.

بصفتي من أدباء جيل الألفية الجديدة لا أظن أن الأندية الأدبية تعبر عن طموحي في زمن الانفتاح الثقافي ونصوص الإنترنت. فأغلب أنديتنا الأدبية للأسف مشغولة بصراعات لا أدبية - ليس بعيدا عنا صراع الرئاسة في الأندية، وقس على ذلك كل البؤس الثقافي المنتمي لها - على الرغم من عضوية كبار الأكاديميين لها. كما أن هناك دوريات صادرة من بعض الأندية تتعثر فلا تنتظم في إصدارها.

المبالغ التي تصرف على هذه الحصون العتيقة لا تصل للأديب الشاب ولا بأي شكل من الأشكال، فعلى الغالب يصدر الكاتب الشاب كتابه خارج الوطن.

الأهم من تعديل لائحة الأندية أو إدخال الانتخابات في مجالسها هو وجود وكالة ثقافية واحدة داخل السعودية تنشر إلى جانب كتب الأدب، كتب العلوم الأخرى ولا تقتصر على النصوص الأدبية، وإعادة اجترار كتب قديمة، تحتاج هذه الأندية مطبعة حكومية تشرف عليها لجان إدارية، ولا تنسب نفسها للإبداع، المبدع ليس إداريا ناجحا بالضرورة. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأندية بحاجة إلى لجان مكونة من نقاد وقراء مختارين يمثلون كافة شرائح المجتمع أطباء وطلبة، معلمات وربات بيوت، يجري انتخابهم لكل كتاب في مهمة تطوعية لإصدار نشرة عن كل إصدار، بحيث يجري تصميم قائمة لأفضل مائة كتاب بشكل دوري. ويظل الوسط الأدبي بحاجة أيضا إلى مراكز أبحاث ومراكز ترجمة ووكالة أدبية ترعى الباحث والمبدع، تدعم مشروعه وتصرف له مكافأة مبدئيه تجتزئ من المبلغ الذي يحصل عليه بعد بيع الكتاب، وتناقشه وتمده بالمادة البحثية اللازمة. أيضا يحتاج المثقف والمبدع إلى نوع من توفير سبل العيش الكريم لحياته، إذ واجه كثير من المثقفين ضوائق مالية وأزمات صحية دون أن يجدوا السند اللازم لهم كي يستطيعوا تخطي هذه الأزمات ومواصلة الإبداع.