زيارة صالحي الخاطفة إلى أنقرة

TT

العلاقات التركية - الإيرانية لا تعيش في هذه الآونة شهر عسل، بسبب التباعد وتضارب الخيارات والمصالح والأهداف، حيال أكثر من ملف ثنائي وإقليمي؛ فلماذا قرر وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي الحضور على عجل في زيارة خاطفة إلى العاصمة التركية أنقرة؟

ما الأمر المهم والملحّ الذي دفع صالحي للمطالبة بعقد خلوة ثنائية استمرت ثلاث ساعات مع أحمد داود أوغلو، لم يشارك فيها أركان السلك الدبلوماسي ولا المترجمون حتى؟

للوهلة الأولى قد يقال إنها تعليمات القيادة الإيرانية الجديدة والرئيس روحاني شخصيا، في محاولة لفتح صفحة جديدة من العلاقات المتراجعة في العامين الأخيرين. لكن أكثر من مؤشر يقول إن نقلة من هذا النوع لا يمكن إلا أن تمر عبر المرشد الروحي والقيادة الدينية في إيران، التي لن تدعم خطوة بهذا الاتجاه قبل حسم معادلات الداخل السياسية والتفاهم مع القيادة الجديدة على معالم خارطة المستقبل في البلاد.

المؤكد هو أن الوزير الإيراني لم يحضر لبحث سبل إنقاذ ما نشر حول تحرك تركي إيراني مشترك لتأمين هدنة عسكرية على جبهات القتال في سوريا خلال شهر رمضان، فهو احتمال يصعب بعد قرارات المعارضة في لقاء إسطنبول، والتقارير التي تنشر حول بدء وصول الأسلحة النوعية للمقاتلين والإنجازات الميدانية التي يحققونها على الأرض. والواضح هو أنه لم يتذكر فجأة ضرورة الحضور إلى تركيا لدعوتها لمواصلة التحرك للإفراج عن المعتقلين اللبنانيين لدى المعارضة السورية، خصوصا بعد كل هذا التصعيد والتدهور في ملف الأزمة السورية الذي أطاح بالجهود التركية. والواضح كذلك هو أنه لم يأتِ لمطالبة تركيا بتجديد وساطتها في الملف النووي، الذي اختارت إيران طريقا آخر تعبره للوصول إلى أهدافها لا يمر عبر أنقرة طبعا، ولا علاقة له بالتصريحات التي كان صالحي يرددها دائما حول الجهود التركية وأهميتها.

الوزير الإيراني لم يحضر حتما لإقناع تركيا بضرورة سحب صواريخ الأطلسي من أراضيها بعد هذه الساعة، وبعدما وضع صالحي نفسه النقطة النهائية العام الماضي، بقوله إن نشر هذه الصواريخ على الحدود التركية - الإيرانية خطوة استفزازية على أنقرة أن تتحمل عواقبها. ولا علاقة للزيارة بمحاولة إقناع الأتراك بنقل رسائل إيرانية جديدة إلى تل أبيب حول التهديدات الإسرائيلية التي تراجعت في هذه الآونة، دون أن نعرف الأسباب، لأنه يدرك أكثر من غيره استمرار برودة العلاقات التركية – الإسرائيلية، على الرغم من كل المحاولات والجهود المبذولة أميركيا لإنقاذها. مصر قد تكون في صلب المحادثات، كما أعلن رسميا، وقد تظهر إلى العلن مبادرة تركية - إيرانية مشتركة يجس صالحي بخصوصها نبض محمد البرادعي نائب الرئيس المصري الجديد، لكن ما لا يخفى عن الوزير الإيراني هو أن التعاون التركي - الإيراني «القادر على حل أي أزمة في المنطقة»، كما يقول، يواجه عقبات كبرى؛ كون أهم الانتقادات التي وجهت إلى الرئيس المعزول محمد مرسي كانت بسبب انفتاحه المتزايد على تركيا وإيران على حساب علاقات مصر بالدول العربية.

الحراك الأخير لأكراد المنطقة، والتغيير داخل القيادات السياسية والعسكرية في صفوف حزب العمال الكردستاني، ووصول جميل بييق المحسوب على إيران إلى موقع القيادة بدل مراد قره يلان، والتحركات الأخيرة لأكراد سوريا باتجاه إجراء انتخابات محلية لإعلان الإدارة الذاتية في مدن شمال شرقي البلاد، وتصريحات قيادات سياسية وعسكرية كردية حول تقدم المشروع الكونفدرالي أو الفيدرالي في أسوأ الاحتمالات في الدول الأربع التي يوجدون فيها بكثافة، وقلق طهران من انتقال عدوى الانفصال سريعا إلى مناطق حدودها المشتركة مع تركيا والعراق هو برأينا السبب الأهم لهذه الزيارة، والموضوع الأول في قلب النقاشات.

الحكومة الإيرانية وفي أعقاب التغييرات الأخيرة في صفوف القيادات الكردية السياسية والعسكرية في قنديل تريد أن تكون جاهزة لأي سيناريو داخل أراضيها، وفي مناطق حدودها المشتركة مع العراق وتركيا، حيث يعيش الملايين من الأكراد الذين بدأوا يذكرون طهران بالحوار القائم بين تركيا وأكرادها، ويطالبونها بخطوات انفتاحية مماثلة، وربما هذا هو السبب الحقيقي الذي حمل الوزير الإيراني على عجل إلى أنقرة. إيران لا تريد أن تُترك وحيدة في المواجهة، تريد أن تستفيد ربما من التجربة التركية في هذا المجال. صالحي يردد أن العلاقات التركية - الإيرانية لا تديرها أو تتحكم بها وسائل الإعلام في البلدين، وأن القيادات السياسية تتحرك ضمن منظومة تقوم على التنسيق والتشاور، لكن الزيارة لن تكون أكثر من محاولة جديدة لإنقاذ العلاقات من التدهور والتراجع الدائم، كان آخر مؤشراتها وقوف داود أوغلو أمام العدسات، وبحضور صالحي نفسه، ليذكّر القيادة الإيرانية بأن انسحاب مقاتلي حزب الله اللبناني من المدن السورية خطوة أولى على طريق انتشال هذه العلاقات مما هي فيه.