ما هي الخطوة التالية لـ«الإخوان»؟

TT

من ضمن الأخبار المتواترة من مصر كان هناك خبر يبدو مثل النكتة، وفحواه أن أحد مسؤولي «الإخوان المسلمين» قال إنهم سيطالبون بتمديد فترة ولاية مرسي عندما يعود للحكم لأن الأيام التي قضاها حتى الآن معزولا لا تحتسب ضمن ولايته القانونية. المشكلة أن «الإخوان» لا يعتبرون مثل هذا المطلب نكتة، لأنهم أقنعوا أنفسهم بأنهم سينجحون في استعادة الرئاسة التي أضاعوها بهذه العقلية التي ترفض الاستماع لصوت الشارع وتبدو منفصلة عنه وبعيدة عن قراءة التطورات واستيعابها.

كان الاعتقاد السائد دائما أن «الإخوان» أذكياء وميكافيليون إلى أبعد الحدود، يعرفون كيف يركبون الموجة، ومتى ينحنون أمام العاصفة. لكنهم في الحدث المصري أثبتوا أنهم أمام شهوة السلطة فقدوا القدرة على القراءة الصحيحة وأضاعوا البوصلة، فخسروا الرئاسة والشارع، وعزلوا أنفسهم بتصرفاتهم وسياساتهم وتصريحاتهم التي بدوا معها وكأنهم لا يريدون التحكم في مصر وحسب، بل تصدير القلاقل ونموذجهم إلى دول أخرى.

لقد تصرف «الإخوان» بتعال شديد مع الشعب المصري، وصموا آذانهم عن سماع صوته بعد أن حسبوا أن صعود تيار الأحزاب الإسلامية على ظهر الثورات العربية يمثل فرصة ويعطيهم قدرة على فرض مشيئتهم وبرامجهم، وأنه لا المعارضة ولا مظاهرات الميادين ستكون قادرة على إطاحتهم. ضمن هذا الفهم تحركوا باكرا لمغازلة الغرب وخطب ود واشنطن وتطمين إسرائيل، على أساس أن هذا سيعطيهم فرصة ومساحة للتمكن في الحكم، وسيمنع عنهم الضغوط، وسيسهل عليهم القروض والمساعدات، بل وسيحميهم من أي محاولات للإطاحة بهم عبر انقلابات عسكرية. ظهر هذا واضحا في رسائل «الغزل السياسي» في تصريحات مرسي وعدد من قيادات «الإخوان» لوسائل الإعلام الغربية والأميركية بالتحديد، وفي إرسال مبعوثين إلى واشنطن، وفي بث رسائل مباشرة وغير مباشرة باتجاه إسرائيل سواء بتأكيد الالتزام بمعاهدة السلام، أو عبر التوسط مع حماس للتهدئة. كما بدا واضحا خلال الأزمة الأخيرة أنهم راهنوا على أن أميركا ستضغط على الجيش المصري لمنعه من التحرك والانحياز إلى الشعب المحتشد في الميادين.

خسر «الإخوان» كل هذه الرهانات لأنهم أخطأوا في قراءة مزاج الشعب المصري، أو فلنقل غالبيته العظمى، ولأنهم قدموا سريعا صورة لنهج استبدادي في الحكم، وأظهروا نزعة لفرض رؤاهم وتوجهاتهم غير آبهين برأي الناس. ألم يكن المرشد السابق للجماعة محمد مهدي عاكف هو القائل «طز في مصر»، وذلك في سياق تبريره لنظرة الجماعة للحكم العابر للحدود؟ وإذا كان الرجل قد سعى في تصريحات لاحقة لتبرير كلامه، فإنه عاد وأكد مؤخرا نظرة الجماعة الاستعلائية وتخطيطها لفرض برنامجها، عندما نشرت له الجريدة الكويتية تصريحات في أبريل (نيسان) الماضي، قال فيها إن مرسي باق رغم أنف الجميع، وإن مشروع «النهضة» الإخواني سينفذ بعد أخونة الدولة.

هذه هي نظرة «الإخوان» للحكم، وهي التي عزلتهم ثم أدت لإسقاط حكمهم، لكن هل فهموا الدرس وبدأوا مرحلة الاستيعاب الواقعي للأمور؟

حتى الآن لا يبدو أنهم قرأوا الأمر بصورة صحيحة، لذلك أعلنوا المضي في طريق المواجهة لاستعادة السلطة. فإضافة إلى تحركاتهم الظاهرة في الميادين، فإنهم كما يبدو ينسقون مع الحركات الإخوانية الأخرى ضمن تنظيمهم العالمي الذي ورد أنه اجتمع هذا الأسبوع في تركيا للتخطيط لاستعادة الحكم في مصر على أساس أنها الركيزة، وأن خسارة الحكم فيها قد تشجع تحركات في دول أخرى. وعلى الرغم من النفي المتوقع لهذه الاجتماعات السرية الطابع، فإن انعقادها يبدو أمرا منطقيا بالنسبة لهذه الحركات التي تشعر بالخطر من انتشار الظاهرة المصرية. فتركيا ذاتها ارتجت لصوت ميدان التحرير أخيرا عندما اندلعت المظاهرات الغاضبة في ميدان «تقسيم»، ورددت هتافات «ارحل» لأردوغان، وأعربت عن الغضب إزاء «الميول الاستبدادية» لحزب العدالة والتنمية وإزاء خططه لفرض قيود على المجتمع. لهذا لم يكن غريبا أن يسارع قادة الحزب الحاكم في تركيا لانتقاد ما حدث في مصر ووصف تنحية مرسي بأنها انقلاب عسكري، وفي الوقت ذاته تحركوا في البرلمان لتبني تعديل قانوني يهدف لمنع تدخل الجيش وتكرار سيناريو مصر في تركيا.

في هذا السياق يصبح واردا أن تستضيف تركيا اجتماعات التنظيم العالمي لـ«الإخوان»، وأن تبحث هذه الاجتماعات في كيفية التحرك لاستعادة الحكم في مصر. «الإخوان» كما يبدو لا يريدون الخضوع للأمر الواقع، بل يريدون التصعيد لشل الحكومة الانتقالية وعرقلة خططها وتشتيت انتباه الجيش المصري بشغله في معارك سيناء وبالمواجهات المتحركة، على أمل استعادة الحكم بانقلاب مضاد، أو بصفقة لاحقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنهم في ذلك يجازفون بفقدان ما هو أكثر من الرئاسة بعد أن فقدوا تأييد غالبية المصريين، واستعدوا أطرافا عديدة في الداخل والخارج.

[email protected]