ما الخطأ الذي ارتكبته تركيا تجاه مصر؟

TT

هل يمكن أن تكون تركيا نموذجا لمصر؟ هذا هو السؤال الذي دائما ما كان يطرح علي في البرامج الخارجية التي شاركت فيها في الآونة الأخيرة، ثم اكتشفت بعد ذلك أن النموذج التركي دائما ما كان هو أساس كل الندوات التي تعقد لمناقشة الوضع في مصر في جميع وسائل الإعلام الدولية. لم نكن مدركين لتلك النقطة كثيرا في تركيا، ولكن الشيء المؤكد هو وجود مقارنات دائمة بين تركيا ومصر، ولكن ما السبب وراء ذلك؟

صحيح أن تركيا كانت الدولة الوحيدة التي انتقدت بشدة تدخل الجيش في مصر، ولكن ليس هذا هو ما جعل تركيا محور الاهتمام بالخارج، حيث جاء سقوط نظام مرسي وكأنه الصاعقة على رأس الدولة التركية. ودائما ما كان الحزب الحاكم المنتخب ديمقراطيا في تركيا ورئيس الوزراء التركي ووزير خارجيته يؤكدون: «إننا نسعى للنمو مع مصر»، علاوة على أن تبني حزب الحرية والعدالة في مصر النموذج التركي قد وضع مسؤولية ضخمة على كاهل تركيا التي نجحت إلى حد بعيد في تغيير نفسها ولكنها لم تنجح في القيام بالشيء نفسه مع مصر.

ربما يتمثل الخطأ الأكبر في الادعاء بأن تركيا قد تركت مصر تنهار من الداخل. في الحقيقة، ينبغي لأي شخص لديه معرفة ولو سطحية بأردوغان ألا يدعي ذلك، فعلى الرغم من ارتكابه بعض الأخطاء في قضايا مختلفة، فإنه قد تخلى عن دخل سنوي يقدر بملياري دولار عندما أعطى ظهره للنظام السوري، وهو ما يثبت أنه لم يتخل عن مصر من أجل مصلحته الشخصية. ويجب أن نتذكر أيضا أن التخلي عن هذا الدخل يعني تحمل رئيس الوزراء التركي أعباء مالية كبيرة من خلال استضافة نحو 400.000 لاجئ سوري في بلاده.

وبالتالي، يجب علينا أن ندرك أن تركيا قد تعاملت من منطلق المثالية، لا من منطلق المصلحة الذاتية، وربما تكون تركيا هي أكثر الدول تدخلا في هذا الموضوع في الشرق الأوسط، وهي الدولة التي دائما ما تنتقد الأمم المتحدة. وبالتالي، فمن غير المنطقي أن يتم اتهام تركيا بأنها قد تركت إدارة مرسي بمفردها عندما يتعلق الأمر بإرساء قواعد الديمقراطية. يجب علينا أن نتذكر أن تركيا كانت خاضعة لحكم ديمقراطي علماني منذ عام 1923، في الوقت الذي لم ترَ فيه مصر الديمقراطية على مدار تاريخها الممتد لسبعة آلاف عام. وعندما صعد مرسي لسدة الحكم، كانت أنظمة الديكتاتورية التي حكمت البلاد خلال الـ60 عاما الماضية لا تزال قائمة، علاوة على أن أجهزة الشرطة والأمن الداخلي الخاضعة لتلك الأنظمة لم تثق مطلقا في مرسي. وعلى الرغم من أن التغييرات التي أدخلها مرسي على الدستور لتغيير هذا الوضع كانت تغييرات طارئة، فإن البعض سرعان ما نظر إليها على أنها تدابير ضد الديمقراطية. إن تداعيات سقوط نظام مبارك في مصر كانت هي السبب الرئيس الذي جعل من الصعب على تركيا التدخل من الخارج، وكان من المستحيل بالنسبة للعديد من الآليات التابعة للدولة، بما في ذلك الجيش، أن تسمح لتركيا بذلك!

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الخطأ الذي ارتكبته تركيا؟ أعتقد أن الإدارة التركية، التي كان مرسي يتوقع منها الكثير والكثير، قد تركته معزولا في قضية أخرى. لقد نسي مرسي أن الأولوية ليست السياسة، ولكن كان يجب عليه أن يعطي أولوية لتهدئة الشارع والفوز بتعاطفه. وكان يمكن القيام بذلك بصورة أسهل في مصر.

استند أول انتصار لأردوغان في الانتخابات على هذا الأساس، فلم يكن كل من صوت لحزب العدالة والتنمية من التيار الديني أو اليميني، لأن هذا الحزب الديني لا يعارض العلمانية ولا يفرق بين المؤمنين وغير المؤمنين ويتحدث عن الحرية والديمقراطية، وهو ما لاقى قبولا أكبر من الأحزاب الوسطية واليسارية. وكان هذا هو ما يحتاجه الجميع في تركيا في تلك المرحلة العصيبة.

وقد جاء مرسي أيضا للسلطة في وقت عصيب. وكان من الممكن أن يختلف الأمر كثيرا لو تحدث مرسي مع شعبه عن الحرية، وليس السياسية، وكان منفتحا على أفكار واقتراحات كل أحزاب المعارضة. كان الشعب المصري بحاجة إلى أن يعرف أنه يجب احترام الشعب بجميع انتماءاته الدينية والآيديولوجية والفكرية.

ربما كان مرسي يرغب في القيام بذلك، ولكنه فشل في أن يُسمع صوته للآخرين في هذا الصدد.

في الواقع، كان حزب الحرية والعدالة الذي لا يملك خبرة سياسية كبيرة والذي تشكل في أعقاب رحيل نظام استبدادي، بحاجة إلى من يلهمه ويرشده للطريق الصحيح. من المؤكد أن الديمقراطيات تتطور بمرور الوقت.

إن موقف بعض العلمانيين تجاه حزب العدالة والتنمية الآن يختلف عن موقفهم قبل 10 سنوات أيضا، وهذا هو السبب وراء اندلاع الاحتجاجات في تركيا.

تركيا لديها خبرة كبيرة عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية، ولكن مزيد من الديمقراطية سيكون أفضل بالطبع، والأمر نفسه ينطبق على مصر، وأنا أتفق مع نيرفانا محمود في هذا الشأن. الشعب المصري لا يريد أن يرحل الإسلام السياسي عن البلاد بشكل تام، ولذلك يجب على جماعة الإخوان المسلمين أن تشارك مرة أخرى في العملية السياسية الجديدة، ولكن مع انفتاح على الحداثة؛ وبمعنى آخر، يجب أن تكون جماعة دينية ولكن بشكل ديمقراطي.. بشكل يلبي احتياجات الناس النفسية ويعتني بالجمال والفن والعلم والمرأة. ويجب على تركيا، بنظامها الديمقراطي القائم منذ نحو قرن، أن تشارك في تلك المرحلة، وهذا أمر مؤكد.