مرض العنصرية

TT

تتحدث أميركا اليوم عن حكم تبرئة مثير جدا للجدل، صدر بحق المراقب الأمني جورج زيمرمان، وذلك بعد أن أقر مجموعة من المحلفين بعد إدانته في جريمة قتل الشاب الأميركي من أصول أفريقية ترايفون مارتن في جريمة كان الحكم فيها «شعبيا وإعلاميا» يتجه وبقوة لإدانة صريحة للقاتل جورج زيمرمان نظرا لوجود شهود واعترافه بذلك، لكن هيئة المحلفين كما يتضح «لم تر ذلك»، وقررت تبرئة الرجل بشكل أبسط ما يقال عنه أنه أحدث صدمة كبيرة في المجتمع الأميركي.

قامت جراء ذلك عدة مسيرات كبرى تجاوز عددها المائة في مختلف المدن الأميركية. وتفاعل مع هذا الحدث الكبير الرئيس الأميركي أوباما نفسه (وهو أول رئيس منتخب من أصول أفريقية) والذي دخل «فجأة» على مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض لم يكن مجدولا أن يطل فيه الرئيس وإنما المتحدث الرسمي فقط، وقام أوباما بالتعليق على هذا الحدث، وبدا متأثرا جدا خصوصا أنه تناول الحدث بشكل شخصي، وذلك لأول مرة من منظوره كرجل من أصول أفريقية. وأوضح أنه تعرض لمواقف شبيهة بما يتعرض إليه معظم الرجال الأميركيين من أصول أفريقية حينما يتسوقون فتهجم الأعين عليهم ويلاحقون حتى يخرجوا من المحال خشية أن يسرقوا شيئا، وما إن يدخل أحدهم إلى مصعد حتى تقبض السيدات بقوة على حقائب الأيدي التي يحملنها، وما إن يمر بجانب السيارات إلا ويسمع أصوات الأقفال الأوتوماتيكية تغلق الأبواب احتياطيا، وهي كلها نماذج للصورة النمطية العنصرية التي تكرست عبر السنين وأسهمت في تأصيل صورة الأفريقي بأنه مشروع مجرم محتمل. إنها باختصار العنصرية في أبشع وأحقر صورها.

أميركا، وهي بلد الحقوق ونصرة الأقليات، خطت خطوات عظيمة لمحاربة العنصرية البغيضة وإدانتها لمعرفتها بخطورتها على سوية المجتمع الأهلي، وأسست القوانين وسنت النظم لحماية الأقليات والعمل على انخراطهم في المجتمع وتحسين فرصهم في العمل والانتماء بشكل كامل، ومع ذلك لا بد أن تظهر هذه المواقف لكنهم يعتبرونها فرصة للإصلاح والتطوير.

وكذلك الأمر اليوم يحصل برعاية الجهة المنظمة للرياضة الشعبية الأولى في العالم حاليا، والمقصود هنا كرة القدم، «الفيفا» التي تقوم بحملة هائلة لمكافحة العنصرية في الرياضة والملاعب، وباتت المواقف التي يتعرض لها اللاعبون الأفارقة سببا للعقوبات الهائلة على الأندية التي تقوم جماهيرها بتلك المخالفات الأخلاقية.

تذكرت كل ذلك وأكثر وأنا أتذكر ردود الفعل الشعبية تجاه حلقتين من البرنامج الكوميدي الساخر «واي فاي» الذي تعرضه إحدى المحطات الفضائية في شهر رمضان الفضيل هذا العام، وتحديدا عقب الإفطار بتوقيت السعودية، كانت إحداهما تسخر من داعية إسلامي معروف، والأخرى تسخر من الجالية البنغالية العامة.

تفاعل الناس بشكل هائل معترضين ومحتجين وغاضبين ومتوعدين ومهددين ضد الحلقة التي تسخر من الداعية الديني، واعتبروا ذلك عارا وخطأ وخطيئة، وذكروا أن العلماء لحومهم مسمومة، وأن العلماء ورثة الأنبياء، وأنه يجب مقاضاة ومحاكمة القائمين على المسلسل، وهددوا كاتب النص والممثل والمخرج. ولكن مع شديد الأسف لم تنل حلقة السخرية من الجالية البنغالية القدر نفسه ولا أي قدر من النقد والغضب والاعتراض، وكأن الناس «يقبلون» السخرية من غيرهم من الجاليات، وأن الصورة النمطية التي قدمت للجالية البنغالية «مقبولة» ولا اعتراض عليها.. وطبعا ينطبق هذا أيضا على الفلسطيني واللبناني والسوداني والمصري والمغربي الذين ينالون نصيبهم من السخرية والإهانة من دون اعتراض.

العنصرية المقيتة حذر منها الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال إنها نتنة، وقال موضحا إنه لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى، ومع ذلك تبقى أمور أخرى تنال الاهتمام أكثر من هذه المسألة الخطيرة، وهي أشبه بالسرطان الذي ينهش الجسد الوطني إذا لم يتم التعامل معها على أنها إثم عظيم وتتم ترجمة ذلك إلى قوانين صارمة تطبق في حق مخالفها، وما يحدث في الملاعب الرياضية وفي أماكن العمل ومواقع التواصل الاجتماعي ما هو إلا مؤشرات كارثية لا بد من الانتباه إليها فورا.

***

تسبب خلل فني في نشر المقال أعلاه للكاتب حسين شبكشي مع صورة واسم الكاتب مشعل السديري، وذلك قبل تدارك الأمر وتصحيح الخطأ.. لذا لزم التنويه والاعتذار.