قوة تدوين أخطائك

TT

كانت إحدى أجرأ المقالات التي قرأتها تلك التي كتبتها مسؤولة تنفيذية شهيرة في عملها التجاري، حينما اعترفت على الملأ وفي أشهر مجلة إدارية في العالم، «هارفارد بيزنس ريفيو»، بأكبر الأخطاء التي ارتكبتها، معددة تفاصيلها الدقيقة في تصرف غير مألوف في عالم الأعمال والنشر.

وما زلت أتذكر جيدا المقالة لصراحتها ولعمق معلوماتها التي استفدت منها كثيرا. ومنذ ذلك الحين وأنا أدون أخطائي في كل شيء في صفحة إلكترونية بهاتفي مربوطة بملف في كومبيوتري، أتصفحه بين الحين والآخر لأفاجأ كيف كنت أرتكب أخطاء سخيفة في أمور بديهية كهذه. وكلما شاركت في فريق عمل، شجعت أعضاءه على تدوين الأخطاء التي يرتكبونها حتى «لا يُلْدَغُ المؤمنُ من جُحْرٍ واحدٍ مَرَّتَيْن» كما بالحديث الصحيح.

ولحسن الحظ، فإن لتدوين الأخطاء والتجارب المريرة أثرا نفسيا إيجابيا أظهرته دراسة نشرت قبل أيام بجامعة أوكلاند في نيوزلندا؛ إذ تبين أن تدوين المشكلات التي نعاني منها على الورق يمكن أن «يعزز جهاز المناعة ويسرع عملية التئام الجروح». فضلا عن أن الجلد يلتئم ثلاث مرات أسرع عند من يدونون تجاربهم المؤلمة مقارنة بمن يكتفون بتسجيل يومياتهم البسيطة.

ويعد تدوين الأخطاء ومصارحة فريق العمل بها سمة من سمات الثقة بالنفس والرغبة الصادقة في التغيير الإيجابي، لأنك تعلن أمام الجميع بأن هذه هي أخطائي؛ بل وتكتبها غير آبه بما يقوله حسادك أو الشامتون. ولذا، فمن البديهي أنك سوف تفكر ألف مرة قبل أن تقدم على هذا العمل مستقبلا، وعلى أقل تقدير ستقرأ ما كتبته أو كتبه غيرك من الهفوات غير المقصودة.

ويكون التأثر أوقع إذا كان المسؤول نفسه هو من يأخذ زمام المبادرة بالاعتراف بالخطأ ثم يكتبه حتى يشجع مرؤوسيه أو زملاءه على أن يحذو حذوه ليستفيد منهم من يأتون بعدهم فيصبح هناك انسجام سلسل بين الأشخاص المتعاقبين على مشروع ما أو إدارة محددة، شريطة ألا يتخذ المسؤول هذه الأخطاء ذريعة أو شماتة باجتهادات الموظفين.

والمشكلة ليست في الوقوع بالخطأ، لأن الإنسان خطاء بطبعه، بل في الوقوع بالخطأ نفسه أكثر من مرة. وهذا وحده دليل على أننا بصفتنا أفرادا أو مؤسسات أو دولا لم نتعلم من الدرس السابق أو لم نستوعب قوة تدوين الأخطاء. ولذا لا بد أن نتذكر أن تدوين المشكلات السابقة هو خارطة طريق للخروج الآمن من حقل ألغام المشكلات المستقبلية.

[email protected]