نحو «علوستان».. القاعدة الروسية والجسر الإيراني

TT

تنطوي السيناريوهات الخمسة التي حددها مارتن ديمبسي للتدخل العسكري في سوريا على تحذير ضمني من مخاطر هذا التدخل وتكاليفه، بما يعني أن البنتاغون لا يزال يحاذر الانغماس جديا في الأزمة.. في المقابل، تضع وكالة الاستخبارات على طاولة باراك أوباما، ثلاثة سيناريوهات حول الاحتمالات التي تتجه إليها الأزمة تجمع على استمرار النزاع طويلا ولا تستبعد التقسيم الذي سيؤجج الصراع المذهبي في المنطقة، وهي:

أولا: أن يتمكن الأسد من البقاء بدعم من الروس والإيرانيين وأذرعهم العسكرية اللبنانية والعراقية، وسيشكل هذا مدخلا إلى الانتقامات والمزيد من عمليات التصفية المذهبية.

ثانيا: أن يواجه الأسد الهزيمة فينتقل إلى «الخطة ب» وبدعم من موسكو وطهران؛ أي الانسحاب إلى الشمال الغربي لإعلان دويلة «علوستان»، وهذا لن يوقف الصراع ضده وحتى بين التنظيمات المتشعبة في باقي المناطق.

ثالثا: أن يستمر القتال بين النظام والمعارضين وبين هؤلاء أنفسهم في إطار ما يشبه صومالا كبيرا، خصوصا إذا صحت تقديرات نائب مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ديفيد شور الذي أبلغ صحيفة «نيويورك تايمز» عدم قدرة واشنطن على التمييز بين مكونات المعارضة «لأنها باتت تضم 1200 مجموعة»!

التطورات العسكرية في منطقة الحسكة والرقة بين الأكراد و«جبهة النصرة» بدأت ترجح اقتراب السيناريو الثاني الذي كان النظام السوري قد خطط له منذ اندلاع الثورة؛ لا بل قبل اندلاعها، ومن المعروف أن البنى التحتية لقيام الدولة العلوية جاهزة منذ زمن بعيد، وأن سياسة الإمرة والتحكم في الجيش السوري رسمت على أساس هذا الاحتمال، وأن الهيكليات الحساسة في الدولة رتبت بطريقة تخدم هذا الهدف.

هل سيبادر الأسد إلى الانتقال إلى «الخطة ب»؟

قطعا لن يقول: لقد هزمت وأنا ذاهب إلى جبال العلويين؛ بل سيترك آثام التقسيم تبدأ عند غيره رغم أن النظام هو الذي أسس لهذا الإثم. وفي هذا السياق، من الضروري أن نتذكر أن الإعلان في 26 يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، عن أن «جبهة النصرة» تسعى لبسط سيطرتها على مدينة حلب تمهيدا لإعلانها «إمارة إسلامية»، لم يكن بيانا صادرا عنها، بل كان خبرا نشرته صحيفة «الوطن» الرسمية.

ومن الضروري أن نتذكر أن «جبهة النصرة» هي في الأساس صنيعة النظام، فمن المعروف أن اللواء آصف شوكت رئيس المخابرات وصهر الرئيس الأسد أمر عام 2011 قبل اغتياله، بإطلاق سراح 46 قياديا إسلاميا وأكثر من 2000 جهادي من جنسيات مختلفة كانوا في السجون السورية، وتم تجنيدهم تحت اسم لواء «جبهة النصرة»، ثم زُجّ بهم داخل الثورة بهدف تشويه صورتها أمام العالم، عبر قيامها بعمليات إرهابية كالاغتيال والاعتداء وممارسة أعمال التضييق والخطف ضد الأقليات.

من الضروري أيضا أن نتذكر أن النظام السوري تعمد سحب قواته من المناطق الكردية في شمال سوريا منتصف عام 2012 لتتشكل مجالس محلية كردية لم تلبث أن اصطدمت بعناصر «جبهة النصرة»، التي حاولت بسط سيطرتها على هذه المناطق.. ووسط هذا ترتفع الآن دعوات صريحة إلى تأسيس كيان كردي مستقل شمال سوريا مماثل للكيان الكردي في العراق، وهو أيضا ما يطلق مؤشرات إضافية على أن إيقاع تفكك الدولة السورية يتقدم.

لا يتردد صالح مسلم أمين عام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في القول إن «الأزمة السورية لن تنتهي قريبا، ونحن نتجه إلى إعلان إدارة ذاتية ديمقراطية في غرب كردستان»، ومن أجل هذا سيتم إعلان حكومة برئاسته، والأخطر أن الأكراد ينكبون على كتابة دستور جديد لدولتهم التي ستمتد من المالكية شرقا إلى أجزاء من حلب غربا وتشمل القامشلي التي ستكون عاصمتها وصولا إلى مدينة الحسكة. ومن المعروف أن الوحدات الكردية تسعى لتثبيت سيطرتها على المنفذ الحدودي في رأس العين إضافة إلى معبر سميلكا مع العراق ومعبر نصيب مع تركيا، التي تستشيط غضبا وتلوح بأنها ستتدخل عسكريا لمواجهة أي اتجاه انفصالي، معتبرة أن سيطرة الأكراد على رأس العين سيؤدي إلى عواقب خطيرة، وهذا تعبير عن حساسية تركيا حيال الطموحات السيادية الكردية.

الحديث عن دويلة «علوستان» ليس من قبيل التحليلات؛ فالنظام باشر التخطيط لإنشاء مطار جديد في طرطوس قرب القاعدة البحرية الروسية، وإيران التي تحرص على بقاء جسر سوري يربط نفوذها في العراق بنفوذها في لبنان تعتبر أن دويلة «علوستان» مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى نفوذها الإقليمي الذي إذا سقط فسيجرف معه النظام في طهران!