اجعلوا مواطنيكم سعداء!

TT

حينما خرج الملايين إلى شوارع مصر في عام 2011 مطالبين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، جرى إسقاط نظام. كان نظاما ظلت توجه له اتهامات على مدى عقود بتلبية احتياجات النخبة ومجتمع الأعمال فقط، بالتركيز على تعزيز النمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات المباشرة الأجنبية، كل ذلك بشكل مفيد، ولكن من دون توجيه الاهتمام اللازم للمتطلبات الحقيقية للأعداد الضخمة في القطاعات المهمشة من الشعب وتوقعاتها.

لم تكن الثورة على الفقر فقط، مثلما أشارت شعاراتها، فإلى جانب «العيش»، كانت هناك مطالبات أهم بـ«الحرية» و«العدالة الاجتماعية»، وبالأساس «الكرامة الإنسانية». إنها عبارة تجسد ما تعنيه نوعية الحياة الإنسانية بالكامل.

يعتبر هذا درسا مهما بالنسبة لخبراء الاقتصاد في مصر وحول العالم. بصرف النظر عن نموذج النمو الاقتصادي أو التنمية الاقتصادية الذي تتبعه أو تنفذه دولة، ينبغي أن تكون هناك مراعاة للتأثير البشري لمسار النمو. ثمة إدراك متزايد مفاده أن الهدف العام لأي جهد تنمية هو تحقيق تأثير إيجابي دائم على نوعية حياة البشر.

ما المقصود بالجوانب الإنسانية للنمو؟ بعبارة بسيطة، يعني ذلك أن جهود النمو الاقتصادي يجب أن تضع في الحسبان ضرورة ألا يتحمل المواطنون أي تأثير سلبي ناتج عنها، وأن نوعية حياة بشرية تحافظ على الكرامة الإنسانية ينبغي أن تكون هي الهدف الشامل لأي خطة تنمية اقتصادية ووطنية يتم تنفيذها. لقد كان السؤال حول ما يشكل نوعية حياة إنسانية جيدة مثار جدل محتدم في المؤلفات الاقتصادية. ومن بين الأفكار المتفق عليها بشكل عام في الرد على هذا السؤال تلك المرتبطة بتوفير نوعية حياة جيدة إنسانية للمواطنين والتي تضم تحقيق ثلاث قيم أساسية: «دعم المعيشة والاعتزاز بالنفس والحرية».

بحسب الخبير الاقتصادي الأميركي، مايكل تودارو، يعني هذا أنه كي توصف أي تنمية اقتصادية بأنها فعالة، ينبغي أن تكون قد أثمرت عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين (الغذاء والمأوى والصحة والحماية)، لجعلهم ينعمون بالشعور باحترام الذات، أو بعبارة أخرى الكرامة، وفي نهاية المطاف التمتع بالحرية، وامتلاك نطاق واسع من الخيارات، في ما يتعلق بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية.

ظهر مبدأ فرعي من أخلاقيات التنمية في مجال الاقتصاد، الذي يركز على إبراز كيفية تضمين الأخلاقيات في الاقتصاد. بدلا من التركيز على زيادة إمكانية الوصول إلى «السلع» في الحياة، ينصب التركيز الآن على كيفية تعريف مفهوم «الحياة الكريمة»، وتحقيقه للمواطنين في النهاية. ويتمثل مقياس جذاب للحياة «الكريمة»، يقال إنه قد تم إدراكه لأول مرة في دولة بوتان في سبعينات القرن العشرين، في مؤشر «إجمالي السعادة الوطنية»، الذي يتعارض مع مؤشر «إجمالي الناتج الوطني». يحاول مؤشر إجمالي السعادة الوطنية تقييم الدرجة التي تؤدي من خلالها التنمية إلى زيادة شعور المواطنين بالسعادة، إضافة إلى تعزيز الأداء الاقتصادي وحماية البيئة. تتضمن الفئات التسع المتساوية في أهميتها في مؤشر «إجمالي السعادة الوطنية»: الصحة النفسية واستغلال الوقت وحيوية المجتمع والتعددية الثقافية والصحة والتعليم ومستوى المعيشة والتنوع البيئي والإدارة الجيدة.

على الرغم من أن تطبيق هذه السياسات ربما يكون قد ساعد في بعض الحالات وحسن المؤشرات الاقتصادية الوطنية، فإنه في حالات عديدة أيضا أسفر عن ثورات سياسية وغذى شعور مواطني العالم النامي بعدم الرضا. في مصر، دائما ما زعم نظام حسني مبارك أنه يقوم بتنفيذ سياسات التعديل الهيكلي الخاصة بصندوق النقد الدولي ببطء وبالتدريج لتجنب التأثيرات السلبية على المواطنين، لكن يبدو أن هذه المزاعم لم تكن صادقة بشكل تام.. ففي ما يتعلق بالنمو الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين، كانت مصر تحقق مستوى أداء اقتصادي مرضيا. ارتفع مستوى الأداء الاقتصادي لمصر إلى معدل نمو نسبته 4.2 في المائة في العام المالي 2008-2009. وبلغ معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2.4 في المائة فقط خلال الفترة نفسها.

ومع ذلك، فقد ارتفع معدل الفقر في مصر إلى مستويات غير مسبوقة، بحسب عدة تقديرات. تظهر سجلات البنك الدولي زيادة في نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر الوطني من 16.7 في المائة في عام 2000، إلى 22 في المائة من السكان في عام 2008. أظهرت أرقام أخرى صادمة للبنك الدولي، والتي اعترضت عليها الحكومة، أنه في الفترة من 2008-2009، عاشت نسبة 44.1 في المائة من السكان تحت خط الفقر الدولي الممثل في دولارين يوميا.

المشكلة ليست معضلة دولة تحقق نموا اقتصاديا، ولكنها عاجزة عن التعامل مع قضايا الفقر، ولا تتعلق فقط بتوزيع الدخل.. المشكلة هي أنه في بعض الحالات، ومصر مثال جيد على هذا، يتحقق النمو الاقتصادي ولكن من دون تنمية بشرية، ولا يبدو أن أحدا يعبأ بسعادة وراحة المواطنين. حققت مصر نموا اقتصاديا، لكن كانت هناك أوجه قصور في نظامها التعليمي من حيث الكيف والكم، وفي خدمات الرعاية الصحية، وفي توفير فرص العمل، وفي استهداف المعونات، وفي تأمين وتوفير مناخ إدارة جيدة، يوجد به مشاركة مدنية وشفافية وسيادة للقانون ومؤسسات حكومية فعلية. كل هذا أفضى إلى تدهور خطير في نوعية الحياة بشكل عام بالنسبة للمواطنين المصريين، مما أثر على مستوى شعورهم العام بالرضا والراحة، وحينما أصبح من المتعذر تحمل الضغط لمدة أطول، انفجر الموقف في صورة ثورة.

ينبغي تحميل الحكومات المسؤولية عن تحقق نتائج حقيقية تلبي احتياجات وتوقعات مواطنيهم. وينبغي أن يتوازى كل من تحسن مؤشر الأداء بالنسبة لمتوسط دخل الفرد ومعدلات النمو وإجمالي الناتج المحلي مع عملية مراقبة وتقييم قوية مما يصب في ما يتعلق بنوعية حياة المواطنين وتحقيق النتائج والتأثيرات التي تلبي احتياجات وتوقعات المواطنين، وتجعلهم ببساطة «سعداء».

هذا ما تحتاجه مصر. الزمن قد تغير. أصبح لدى مواطني العالم توقعات عظيمة لحكوماتهم ويملكون حق التمتع بنوعية حياة جيدة إنسانية. إضافة إلى ذلك، فإنهم يملكون أيضا الحق في حكومة تحاول جعلهم سعداء. ينبغي أن تكون سعادتهم دائما محور أي تنمية اقتصادية وجهد تخطيط وطني.

* العميد المشارك بكلية الشؤون الدولية والسياسة العامة وأستاذ الإدارة العامة بالجامعة الأميركية في القاهرة.

* «كايرو ريفيو للشؤون الدولية» (www.thecairoreview.com)