هروب «القاعدة» إلى سوريا

TT

يحتاج الكشف عن تفاصيل عملية هروب قيادات وعناصر تنظيم القاعدة من سجن أبو غريب العراقي والتباساتها إلى مزيد من الوقت، كما يحتاج إلى جهود متعددة وكثيرة لمعرفة تفاصيل مثل هذه العملية الخطيرة والمعقدة، التي لا شك أن تحقيقات عملية وجدية، سوف تكشف تفاصيلها.

غير أن ما يحيط من صعوبات في الكشف عن حيثيات العملية، لا يقف عائقا أمام محاولة فهم العملية وأهدافها السياسية، وترك مجرياتها وتفاصيلها الفنية لمجريات التحقيق الذي سيتم لاحقا من جانب جهات عراقية وإقليمية ودولية، نظرا لما لهذه العملية من آثار أمنية وسياسية تتجاوز العراق إلى بلدان الإقليم وخصوصا سوريا وإلى الأبعد في المحيط الدولي بفعل روابط العملية بموضوع الحرب على الإرهاب.

إن فهم العملية ووضعها في إطارها السياسي، يتطلب التوقف عند المعطيات المحيطة بها، وهي معطيات تتوزع على نوعين، أولها معطيات عملية، والثاني مؤلف من معطيات سياسية، وبطبيعة الحال، فإنه لا يمكن الفصل بين المعطيات العملية والسياسية المتصلة وتفاعلهما المشترك في عملية لا شك أنها معقدة.

والتوقف عند أبرز المعطيات العملية المعروفة التي تحيط بهروب عناصر وقيادات القاعدة، تتجسد في أن العملية تمت في سجن أبو غريب وهو أحد أخطر السجون في العراق وأكثرها ضبطا، وقد كان سجنا رئيسا استخدمته القوات الأميركية لاحتجاز أعدائها، عندما كانت في العراق مما يعني أن الإجراءات الأمنية المطبقة هناك من أشد الإجراءات التي يمكن القيام بها، والأمر الثاني يمثله العدد الكبير من قيادات وعناصر القاعدة الموجودين في هذا السجن والذين قدر عددهم بأكثر من خمسمائة شخص بينهم عدد كبير من المحكومين بالإعدام، مما يفرض انتباها وتركيزا أمنيا شديدا واستثنائيا على السجن والسجناء، والأمر الثالث سهولة العملية التي تمت لتهريب السجناء بعددهم الكبير وسط أوضاع أمنية متوترة في العراق عامة وفي بغداد ومحيطها بشكل خاص، أما الأمر الرابع والأهم في المعطيات العملية، فهو أن رئيس الوزراء نوري المالكي هو المسؤول الأول عن الملف الأمني في العراق، وهو الذي يتابع الملفات الخطرة، وملف القاعدة هو أخطر تلك الملفات حسب الإعلانات الرسمية العراقية.

والمعطيات السياسية المحيطة بالعملية، لا تقل أهمية عن المعطيات العملية، وأولها أن العملية جاءت في ظل تنامي الحديث عن تصاعد قوة القاعدة وأخواتها في بلدان المنطقة ولا سيما في سوريا والعراق، وعملية كهذه يمكن تقديمها برهانا على تلك الأحاديث، التي تخدم من الناحية السياسية مقولة الحرب على الإرهاب، التي يتبناها النظامان السوري والعراقي، ويزعمان في إطارها محاربة الإرهاب والتطرف في البلدين وفي المنطقة، وأن النظام في البلدين يتصدى لجماعات إرهابية متطرفة، وليس لقوى شعبية وجماعات سياسية معارضة تسعى إلى تغيير عميق في حياة الشعب.

وجاءت العملية في ثاني معطياتها السياسية في ظل تحالف معلن بين القيادة العراقية والنظام الحاكم في دمشق، وهو تحالف كلف العراق تقديم مساعدات مهمة ومتنوعة للنظام في دمشق بينها إرسال متطوعين عراقيين يحاربون إلى جانب قوات النظام، وتسهيل مرور عناصر «جهادية» للقتال في سوريا، مما يزكي دورة العنف هناك، التي يتبناها النظام السوري باعتبارها طريقه لمعالجة الأزمة في البلاد ومنهجا لإعادة إحكام قبضته على سوريا والسوريين في آن معا.

وثمة معطى ثالث يحيط بالعملية من الناحية السياسية، لكنه يتعلق بالوضع العراقي أساسا، من حيث هروب عناصر وقيادات القاعدة من أبو غريب، وما سيكون له من تأثيرات على الصراع بين رئيس الوزراء وخصومه. إذ من شأن القضية أن تنقل تلك الصراعات خارج سياقها التقليدي والحالي على السلطة بجعله صراعا تفصيليا يتصل بهروب سجناء ليس إلا، وحتى في هذا الجانب، فإن العملية ستكون مفيدة للمالكي، حيث يستخدمها أداة ضد خصومه أو معارضيه في الإدارة الحكومية، ولاستبعاد الضعفاء من أنصاره داخل المؤسسة الأمنية أو مواقع أخرى في الحكومة، واستبدالهم بعناصر أكثر قوة وولاء له.

خلاصة القول، إن ثمة معطيات عملية وأخرى سياسية، تجعل من ناحية التحليل، وليس الوقائع، عملية هروب أكثر من خمسمائة من قيادات «القاعدة» وعناصرها في سجن أبو غريب عملية مدبرة، ليس من جانب «القاعدة»، وإن شاركت الأخيرة في تنفيذها، وإنما من جهات استخبارية مجاورة بمعرفة، ربما، أهل الحكم، لدفع حشد من «القاعدة» للذهاب إلى سوريا والقتال هناك، بما يعزز مسارات العنف والإرهاب، ويقوي الحديث عن الجماعات والعناصر الإرهابية والمتطرفة التي يحاربها النظام، حتى لو كانت تلك الجماعات تناهض أهداف الثورة وتقاتل تشكيلات الجيش الحر، وتفرض إرهابها على كثير من السوريين ونشطاء الثورة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.