يوم غابت فيه المسلسلات

TT

الجمعة، أول من أمس، قررت كل محطات التلفزيون في مصر الامتناع عن إذاعة كل المسلسلات على أن تستأنف إذاعتها السبت، ربما لإعطاء المصريين فرصة الاشتراك في مسلسلهم الخارجي الذي ينتجونه منذ عامين ونصف العام تقريبا ويشاركون فيه بالتأليف والإخراج والتمثيل والفرجة أيضا. وهو ذلك المسلسل الذي تمكنوا فيه من إرسال رئيس إلى السجن بعد حكم استمر لثلاثين عاما، ثم أرسلوا الثاني إلى السجن بعد عام واحد، ولأن كل عمل درامي له نقطة هجوم وهو أيضا ما يتطلبه كل مشهد، فقد كان المشهد هو ذلك الطلب الذي تقدم به الفريق أول عبد الفتاح السيسي إلى الشعب المصري لكي ينزل إلى الشارع من أجل إعطائه تفويضا وأمرا بالعمل ضد العنف والإرهاب المحتمل. ورأى البعض، ومن بينهم حركة 6 أبريل، أنه بحكم وظيفته ومهنته لديه بالفعل هذا التفويض، وترتب على ذلك أنها لم تشارك ملايين المصريين في النزول إلى الشارع. حتى لو كان الأمر كذلك، فقد كان يجب مراعاة اللياقة السياسية بأن تعلن رأيها وأن تنزل إلى الشارع. كان من الممكن أن تقول: ربما تطلب هذا التفويض يا سيدي لظروف سياسية استثنائية، وعلى الرغم من أننا لا نرى ضرورة لذلك، غير أننا سننزل إلى الشارع لنشارك في إعطائك هذا التفويض الذي ترى لأسباب خاصة بك، أنك في حاجة إليه.

بعيدا عن المعاني المباشرة لكل كلمات الدنيا، أو الحذر في صياغتها، أعتقد أن ما فهمه المصريون من طلب هذا التفويض، هو الموافقة على فض اعتصامات جماعة الإخوان، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنعها من مواصلة العنف. وبتحديد موعد النزول إلى الشارع بعد طلبه بثمان وأربعين ساعة، كان من الطبيعي أن تفهم الناس أن القوات المسلحة المصرية والشرطة ستبدأ على الفور بمقتضى هذا التفويض في خوض معركتها، غير أن ذلك لم يحدث في الوقت الذي تصورته الناس، أو ربما الذي تصورته أنا. وهو ما يفتح أمامي الباب للحديث عن الإيقاعات في السياسة، التي يظن عدد كبير من المثقفين أن مكانها هو فقط الأعمال الدرامية، وهل الصراع في هذه الدنيا له قوانين أخرى؟ في اللحظة التي كان فيها المؤذن يرفع صوته بأذان المغرب في كل ميادين مصر ومدنها، والتي كانت فيها الكنائس تدق أجراسها تأكيدا للوحدة الوطنية في طول البلاد وعرضها، في نفس اللحظات هاجمت جماعات التطرف الإرهابي سبعة مواقع في سيناء في وقت واحد منها مستشفى عسكري وميناء العريش البحري. في اللحظة التي طلب فيها الفريق أول السيسي في خطابه الحصول على تفويض من الناس لخوض معركته، تكون المعركة قد بدأت بالفعل، وأي تأخير في خطواتها هو لصالح العدو الذي لم يضيع لحظة واحدة بل بادر بالهجوم بكل قواته. أعرف أن «اللي إيده في المايه.. مش زي اللي إيده في النار»، وأعرف كم هو مؤلم القرار باقتحام موقع امتلأ بالبشر، للقبض على زعماء يائسين، غير أني أعرف أيضا، وتعرف الناس جميعا، أن الجيش المصري هذه المرة لا يدخل حربا يطلبها، بل هو يدافع عن الشعب المصري بتفويض منه حصل عليه أمام الدنيا كلها.